بقلم -طارق الشناوي
الأشياء الصغيرة هى كل الحياة: شاحن، موبايل، نظارة قراءة، معلومة قديمة غابت داخل دهاليز الذاكرة، فكرة أمسكت بها، وكنت تتصور أنه الحب بين طرفين، ثم وعلى طريقة عبدالمطلب (بياع الهوى راح فين؟).
بديهى أن كل هذه التفاصيل وغيرها داخل العزل تسرق اهتمامك، لأنها إذا أفلتت واحدة منها صرت عاجزًا تمامًا عن التواصل، ليس فقط مع الدائرة المحيطة ولكن قبل ذلك مع وجودك.
أنت داخل العزل لست مجرد منفذ لتعليمات صارمة، قد يتأخر الشفاء قليلا، يتغير إيقاعه من جسد إلى آخر، ثق أن يد الله حانية جدا، منح الله الإنسان العقل، معركتك ليست الانتظار بل الانتصار.
وهو ما حاولت أن أعيشه، أسوأ أسلحة (كوفيد) زيادة معدلات الميول الاكتئابية، هواجس يعلو لهيبها تسيطر على المشهد، والحل أن تغلق أنت الباب، وإلا فإنه الكابوس النارى.
وجدانك فقط قادر على المواجهة، فلا دواء سيواجه سكاكين النغزات النفسية، نصل سكين الخوف بلا رحمة.
سوف أكتب عن أفكار لعشرة كتب، أعددتها كمسودة وصارت دينًا واجب النفاذ، إلا أن إيقاع الكتابة الصحفية يضربنا فى مقتل، لدىَّ كتاب عن عمى الشاعر الكبير مأمون الشناوى متبوع بدراسة عن منهجه الصحفى، خاصة أن الشاعر الغنائى احتل المساحة الأكبر والأشهر عند الجمهور العربى، بينما الكاتب الصحفى كان أيضا واحدًا من عمالقة الصحافة المشهود لهم، وأنشأ أكثر من جريدة، واحدة منها اسمها (كلمة ونص)، وهو فى الحقيقة ما دفعنى حبًا فى عمى أن أستعيره عنوان الباب الذى أكتبه على صفحات (روزاليوسف).
كُتاب كبار بحجم محمود السعدنى وأحمد رجب وصلاح حافظ، وغيرهم، يتذكرونه دائما كأحد أهم أساتذتهم فى الكتابة الساخرة، كتب عشرات من الأبواب فى أكثر من جريدة مثل: الجمهورية والأخبار وأخبار اليوم، ناهيك عن المجلات التى أنشأها، وكان أحد أهم من يصنعون النكتة التى تتحول إلى كاريكاتير، وبالطبع البداية الأربعينيات فى مؤسسة (أخبار اليوم)، لأن هذا هو المنهج، حيث يجتمع مصطفى أمين يوميا مع كل من مأمون الشناوى ومحمد عفيفى وجليل البندارى وفنان الكاريكاتير عبدالمنعم رخا، ويحددون النكتة السياسية والقفشة الاجتماعية، ويبدأ رخا فى التعبير بريشته المتألقة، وهو ما تطور بعد ذلك مع الثنائى أحمد رجب ومصطفى حسين، ووصلا فيه للذروة ولا تزال جريدة الأخبار تحرص على استعادة الكثير من تراث رجب ومصطفى لأنها صارت توثيقا اجتماعيا.
حكى لى الفنان التشكيلى الكبير أستاذى (إيهاب شاكر) أن أول وجه تعرف عليه فى بلاط صاحبة الجلالة هو عمى مأمون، وذلك داخل مؤسسة الجمهورية، قدمه له رئيس التحرير كامل الشناوى، وكان مؤمنًا بموهبة الأستاذ إيهاب، الجريدة ولدت مع ثورة 52، إيهاب قال لى إنه استفاد كثيرًا من لقاءته مع عمى، وعندما انطلق بعدها بعام أو اثنين على صفحات (صباح الخير)، أصبح أحد العمالقة الذين تملك أناملهم الفكرة واللمحة والومضة والخصوصية، فهو الفنان التشكيلى الاستثنائى.
ظل الأستاذ إيهاب حتى رحيله يتذكر عمى بكل حب وأطلق عليه تعبيرا لا أنساه (الملاك الضاحك)، عمى مأمون الشناوى هو مشروع كتابى الأول المؤجل. التقيته أول عشرين عاما فى حياتى المهنية، وحكى لى الكثير، أستاذى فى الصحافة وفى الدنيا (لو كنت يوم أنساك / إيه أفتكر تانى).