بقلم - طارق الشناوي
ما الذي يعنيه أن يغني عمر كمال «مطرب المهرجانات» أخيراً في تونس، وأن يحظى هو وزميله حسن شاكوش بتكريم «الأوسكار الليبي»، كان من المفترض أم يقام الحفل في ليبيا ولكن بسبب الظروف الأمنية، استضافت تونس الحفل، وكما هو واضح على كل المواقع أن التفاعل والإقبال كان مبهراً، الشباب التونسي عاشق بطبيعته للفن، كانوا يرقصون على الإيقاع، وكنوع من التحدي أصر عمر أن يغني المقطع المحذوف من أغنية «بنت الجيران»، الذي أثار الكثير من الجدل «ح اشرب خمور وحشيش»، التي تم تعديلها في مصر إلى «من غيرك مش ح أعيش».
الرقابة في تونس لا تجد بأساً من تلك الجملة، خاصة أن سياقها داخل الأغنية يحمل نوعاً من التهديد، في الكثير من أغانينا العربية نلمح كلمات مشابهة لم تصادف أي حساسية رقابية، بينما نقابة الموسيقيين المصرية بزعامة هاني شاكر تدخلت للمنع، رافعة راية الحفاظ على قيم المجتمع، وناشدت الجميع بعدم السماح لهم بالغناء.
استجاب في البداية نقيب الموسيقيين التونسي ماهر الهمامي، وأعلن تضامنه مع النقيب المصري، من الواضح أن في تونس أصواتاً أخرى تمكنت من فك الحظر، بل وحضر حفل التكريم نقيب الموسيقيين التونسيين.
لا أحد يملك حق الادعاء أن ذوقه هو الحكم النهائي، أنا مثلاً ترتاح أذني ولا تزال لأم كلثوم وعبد الوهاب وليلى مراد وأسمهان وفيروز وعبد الحليم ووديع الصافي ولطفي بوشناق وغيرهم، إلا أنني مدرك أن من حق الآخرين تفضيل أصوات أخرى، مثل شعبولا وعبد الباسط وبيكا وكسبرة وحنجرة وشاكوش، وكل القائمة ممن نصفهم بـ«المهرجانات»، يجب ألا نفرض ذوقنا على الناس، كما أن تصدير ورقة الحفاظ على الفن من الإسفاف، أراه حقاً يراد به باطل، الفن في مصر مثل كل الدول الثرية في إبداعها ليس نمطاً واحداً، وكما نجد القصيدة الرصينة نشاهد الأغنية الراقصة، تغني أم كلثوم «الأطلال» ويغني أحمد عدوية «السح الدح إمبوه»، الاعتراض على هذا النوع من الأغاني ليس فقط وليد هذا الزمن، ولا تلك الحقبة، الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب كانت له مقولة شهيرة «الجمهور يستمع للأغاني بالسيقان وليس الوجدان»، بعد أن وجد أن أغلب أغانينا، يتم الرقص والتصفيق على إيقاعها، الغريب أن محمد عبد الوهاب قدم موسيقى راقصة أكثر من مرة مثل «خطوة حبيبي»، و«قمر 14» و«حياتي الأسمر» وغيرها، ورقصت أيضاً على ألحانه التي قدمها لأم كلثوم شهيرات الرقص الشرقي مثل نجوى فؤاد وسهير زكي وناهد صبري ولم يعترض.
بات بعض المطربين والمطربات في السنوات الأخيرة خارج نطاق الخدمة، وبدلاً من البحث عن أسباب الأفول، اعتقدوا أن غلق الأبواب أمام أي ذوق فني مغاير لهم، هو الحل لإعادة الجمهور المفقود إليهم.
الزمن يؤكد دوماً أن الشجب والمصادرة والمطاردة ستؤدي حتماً في نهاية الأمر إلى الذيوع والانتشار، كما أن الوسائط الاجتماعية حطمت كل تلك الحواجز، الفنان الذي يشعر أنه يعاني من تضاؤل حضوره الجماهيري، عليه إدراك أن البقاء ليس للأقوى، ولكن للأكثر استجابة للمتغيرات، ليس من حق أحد أن يفرض ذوقه على الناس، فما بالكم لمن يريد أن تستمر مطاردة المطربين من مصر إلى ليبيا إلى تونس.