بقلم: طارق الشناوي
الوحيد الذى أبدع بدون أن يتأثر بأحد هو (آدم) عيله السلام، لأنه ببساطة أبو البشرية، مادون ذلك وعلى مختلف المجالات ستكتشف أن هناك، فى كل تفاصيل الحياة، مرجعية مباشرة أو غير مباشرة.
لا يمكن لمبدع الادعاء أنه جاء بما لم يأت به الأوائل، ستجد أن أحدا من هؤلاء الذين سبقوه أو عاصروه أو حتى جاءوا بعده، تركوا لمسة منهم ظلت ناضحة على إبداعه.
عندما تجلس إلى كبار الموسيقيين تكتشف الكثير، وكان من حسن حظى أنى لحقت عددا منهم.
مثلا من الممكن أن يمسك الملحن الكبير محمود الشريف بالعود ويقدم مقطعا موسيقيا لأغنية، لموسيقار كبير، ثم يتبع ذلك بالأصل لفنان آخر مصرى أو عالمى، سبق الموسيقار الكبير لتلك الجملة، ليس بالضرورة أن تتطابق بالضبط ولكنك كحد أدنى ستلاحظ أن هناك تأثرا ما.
السرقة الموسيقية تقتضى ضرورة، تتابع أربعة موازير، كما يقضى القانون الدولى، المازوة فى الموسيقى تعنى الجملة فى الكتابة، حتى لو حصل السارق على براءة قانونية، لأنه مثلا لم يتجاوز الموازير الأربع، فهو أول من يعرف أنه كحد أدنى تأثر.
كان الموسيقار الكبير كمال الطويل يقول لى إن ذاكرة الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب مثل (النشافة)- وهى أداة كانت تستخدم فى الماضى بعد الكتابة بالريشة المغموسة فى قارورة الحبر الأسود، من أجل تثبيت الكلمات على الورق- مما يعنى أن تحتفظ ببعض بقايا الحبر، ما كان يرمى إليه الطويل، أن هناك شيئا من موسيقى الآخرين يتبقى فى ذاكرة عبد الوهاب، يستدعيها عند الضرورة، الأمر لا ينطبق فقط على عبد الوهاب، ولكن الكل ومع اختلاف الدرجة لديهم (نشافة)!!.
هل تلك بالضبط هى الحقيقة أم أن هناك أشياء أخرى؟، إنه (موسيقار الأجيال) اللقب الذى صار لصيقا به، وهو ما يعنى عبوره من جيل إلى جيل، متصدرا الصف، وهكذا تتابع فى حياة عبد الوهاب ملحنون من أصحاب المواهب الرفيعة مثل رياض السنباطى وفريد الأطرش ومحمود الشريف ومحمد فوزى ومحمد الموجى وكمال الطويل ومنير مراد وسيد مكاوى وبليغ حمدى وهانى شنودة، وسبقه سيد درويش وكامل الخلعى ومحمد عثمان وداود حسنى ومحمد القصبجى وغيرهم، استوعب عبد الوهاب موسيقى كل هؤلاء، كما أنه أنصت لما يردده الناس فى الشارع، واستمع بإمعان حتى إلى أغانى أحمد عدوية، التى احتلت القمة الرقمية نهاية الستينيات، إلا أنه ظل محتفظا ببصمته الوهابية، عندما تستمع إلى موسيقاه تكتشف أنه الأكثر عصرية، وآخر ألحانه (أسألك الرحيلا) شعر نزار قبانى وغناء نجاة ستجد فيه نبض التسعينيات، لديه قدرة فائقة على هضم ما يجرى فى الحياة، يمارس عمليا مقولة أستاذه أمير الشعراء أحمد شوقى (كن كالنحل يأخذ من رحيق كل الزهور ليعطى عسلا شهيا).
شىء من هذا من الممكن أن تجده فى بقاء عادل إمام أربعة عقود من الزمان على القمة الرقمية، ما منح عادل كل هذه السنوات من التألق أنه يمتلك دائما عقلا يقظا، يتابع الخريطة الفنية والإيرادات بشغف، ليهضم كل المفردات الجديدة.
عادل لم يهاجم أبدا ممن جاءوا بعده، مثلما كان يفعل بعض المخرجين، الذين كانوا يصفون الجيل التالى لهم بأنهم مخرجو (الصراصير)، لأنهم يقدمون أفلاما بها فقر وعشوائيات.
أغلب كبار المبدعين الذين ظلوا متربعين على القمة عقودا متعددة، ستكتشف أنهم لا يتعالوا أبدا على ذائقة الجمهور، بل يهضمون بسرعة (الشفرة) الجديدة، يقدمونها بأسلوبهم وكأنها (النشافة) التى أشار إليها فى البداية الموسيقار كمال الطويل.
لا يوجد بيننا من يدعى أنه (آدم الفن)!!.