بقلم - طارق الشناوي
داخل الوسط السينمائى يتذكرون على رجب المخرج الذى بدأ المشوار فى الألفية الثالثة مع أفلام مثل (شجيع السيما) و(صايع بحر) و(بلطية العايمة) و(خالتى فرنسا) و(كركر) وغيرها. رجب تاريخه يعود إلى منتصف الثمانينيات، وكان رجب هو صاحب أجرأ تعليقات على الأفلام داخل أروقة مهرجان الإسكندرية السينمائى فى قاعة مترامية الأطراف بفندق (شيراتون) المنتزه، مكان مهيأ فقط للأفراح، المهرجان أحاله إلى ساحة للصراع بين الأفلام المصرية، صوت ماكينة العرض يعلو على صوت الحوار فى الفيلم، والنجفة الكريستال الضخمة تنعكس صورتها على الشاشة، نفترش الأرض لمتابعة الأفلام، كانت تلك هى المسابقة الأهم فى مصر، من يفز يحصل على جائزة (عروس البحر)، ويرصد اتحاد الإذاعة والتليفزيون جائزة قيمتها 100 ألف جنيه إعلانات للفيلم الفائز، وهو رقم بمقياس الزمن لو تعلمون عظيم، ولم يكن فى مصر سوى مهرجان القاهرة منافسًا للإسكندرية، قوة مهرجان الإسكندرية- برغم كثرة فضائحه وتغييره للنتائج فى اللحظات الأخيرة- تحققت مع تلك المسابقة، النجوم يلبون الدعوة وبعد عرض الفيلم تقام الندوة، وفى العادة تتعدد كلمات الغزل التى تنهال على الفنانين، مجرد حضورهم يشعل عند البعض غُدة المجاملة، تخصص أحد الزملاء فى تكرار تلك العبارة كلما لمح نجمًا أو نجمة، يطلب الكلمة يُثنى على الدور ثم ينهى تلك الوصلة بهذا (الكليشيه) الذى يوزعه بالعدل والقسطاط على الجميع (أنت وضعت نفسك فى مأزق ومش عارف السنة الجاية ممكن تلاقى دور أحسن من ده إزاى)، ويحظى صاحبنا بتصفيق حاد، بينما الحضور ينتظرون بشغف هذا الشاب السكندرى الذى صار صوتهم فى إعلاء كلمة الحق، إنه على رجب، كان يدرس وقتها فى السنوات النهائية بكلية الهندسة، إلا أنه غاوى سينما ويبدأ فى التحليل، والنجمة التى كانوا يتغزلون فيها قبل قليل، يتغير لون وجهها أكثر من مرة بكل ألوان الطيف، فى نهاية الكلمة نستمع إلى تصفيق مدوٍ، ولا تدرى كيف يصفق الجمهور مرة للمديح وبنفس القوة للاستهجان. على رجب دوره هو إيقاظ الجمهور من غفلته ومنحه حبوب الصدق والشجاعة، وبعده فعلا، نجد الجمهور وقد انتقلت إليهم عدوى الجرأة.
تعرف فى المهرجان على عدد من المخرجين وشارك بالتمثيل فى أدوار صغيرة، إيناس الدغيدى أكثر مخرجة تحمست له وعمل معها فى فريق المساعدين، ثم أصبح اسمه يتصدر الأفيشات، الأفلام التى قدمها كمخرج تناقضت مع ما كان يعلنه فى الندوات، إلا أنه أجاد صناعة الفيلم بالمقاييس التجارية، لم يكن يطمح فيما هو أكثر، لم يغضب من النقد مهما بلغت قسوته لأنه كان فى الماضى أشد قسوة.
لم أر على رجب طوال السنوات السبع الأخيرة، ربما تعثرت مشروعاته حتى تلك التى كان يقدمها بمواصفات تجارية، كان يشعر مؤكدًا بمعاناة لأنه لا يجد اسمه مطروحًا على الخريطة، هل تخلت عنه فى تلك السنوات روحه الساخرة؟، ما تبقى فى ذاكرتى هو على رجب الشاب قوى البنية الجرىء بضحكته المجلجلة، أراد أن يلعب سينما بقانون السوق فكان أيضًا من ضحايا السوق، وقرأنا فى غمضة عين (تتر) النهاية!