بقلم - طارق الشناوي
سواء شاهدنا الزيارة وذهب غدا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى بيت فيروز أم حالت حالتها الصحية دون ذلك، يظل المعنى الأكبر أن الفنان عندما يصل إلى مكانة استثنائية يُصبح اسمه مرادفًا للوطن، ماكرون لا يعرف العربية، إلا أنه يدرك ما الذى يعنيه صوت فيروز فى الضمير اللبنانى، لهذا اختار بيتها، كمحطة أولى للزيارة، اللبنانيون حتى الآن لم يستطيعوا ترتيب البيت من الداخل كما طلب منهم ماكرون باختيار حكومة وفاق وطنى تتولى فى تلك المرحلة الحرجة التى يعيشها لبنان إعادة البناء الروحى قبل الجسدى، المأزق اللبنانى ليس فى تردى البنية التحتية بفعل السرقة والنهب وتضارب المصالح وتواجد حزب الله الذى يرفع السلاح، رغم أن أساس قيام أى دولة فى العالم هو أن تحتكر السلطة الحاكمة السلاح، مهما كانت المبررات بأن بنادق ومدافع حزب الله موجه إلى إسرائيل، فإن ما نراه فعليا أنه صار سلطة فوق السلطة الشرعية.
وتظل بارقة الأمل هى فيروز، قليل جدا من المبدعين فى العالم تحولوا إلى رموز للوطن، العلم اللبنانى تتوسطه شجرة الأرز، إلا أنك عندما تستدعى لبنان فى الذاكرة سيبرق أولا قبل العلم صوت فيروز، هذا هو الحضور الاستثنائى.
فى لبنان وفى عز الحرب الأهلية التى اندلعت منتصف السبعينيات، كانت فيروز هى القبلة المشتركة بين مختلف الطوائف، لم تخدش فيلا فيروز بأى طلقة رصاص لا من المسلمين أو المسيحيين، فهى الروح التى توحدوا عندها ما فرقته الأطياف الدينية والمصالح الاقتصادية جمعه صوت فيروز، ليس لأنها غنت لمكة والكعبة المشرفة أحبها المسلمون، ولكن فقط لأنها فيروز، ستلحظ فى العديد من الدول العربية مساحة ثابتة تشغلها فى الإعلام الرسمى والخاص، فهى مثلا لم تقدم أى حفل غنائى منذ أكثر من 30 عاما بالقاهرة، إلا أن هذا لم يؤثر أبدا على مساحة الحب التى تحتلها فى الضمير الجمعى المصرى، الرحبانية أدركوا، مع مطلع الستينيات، تلك الخصوصية مع مصر، وأعادوا تقديم عدد من أغنيات سيد درويش وأيضا أغانى عبدالوهاب القديمة مع الحرص على المذاق الرحبانى فى التوزيع الموسيقى.
فى اللقاء المرتقب غدا بين فيروز وماكرون، نستدعى حدثا مماثلا مع اختلاف الظروف، قبل نحو 30 عاما أو أكثر قليلا، عندما كان د. يوسف إدريس يقضى إجازته الصيفية فى (مارينا) مع ابنته نسمة، وفجأة استمع إلى صخب وأصوات كلاكسات عالية، بينما كان يحلق ذقنه حافى القدمين مرتديا شورت، خرج ليستطلع الأمر بنفسه، لمح موكب الرئيس الأسبق حسنى مبارك وبجواره الرئيس السورى السابق حافظ الأسد، وجه لهما الدعوة مشيرا بيديه (اتفضلوا)، وعلى الفور جاء الأمر الرئاسى بإيقاف الموكب وتلبية الدعوة (الإدريسية)، ولم يجد د. يوسف مساحة من الوقت لتغيير الشورت أو حتى ارتداء شبشب، وشربوا الشاى الذى أعدته نسمة، وصار د. يوسف إدريس هو الكاتب الوحيد فى التاريخ الذى زاره رئيسا جمهورية وقابلهما حافى القدمين.
الصدفة قطعا لعبت دورها، ولم يكررها مبارك فى مصر ولا الأسد الأب فى سوريا، الرموز الإبداعية فى حياتنا تحتل مساحة تتجاوز حدود الزمان والمكان، وهكذا هى فيروز!!