«صاحب المقام» نفحة سينمائية تملأ الروح

«صاحب المقام» نفحة سينمائية تملأ الروح!

«صاحب المقام» نفحة سينمائية تملأ الروح!

 العرب اليوم -

«صاحب المقام» نفحة سينمائية تملأ الروح

بقلم - طارق الشناوي

فى حالة مفروضة علينا جميعا شاهد الملايين فيلم (صاحب المقام) على منصة (شاهد)، وليس أمامنا حاليا خيار آخر.تلك هى التجربة الثالثة لإبراهيم عيسى فى الكتابة الدرامية، مع استبعاد فيلم (أيام السادات) الذى تنازل فيه عن كتابة اسمه لأسباب ليس مجالها الآن، إبراهيم بعد (مولانا) و(الضيف) يتقدم خطوات بعيدة وعميقة فى كتابة السيناريو، مأزق فيلميه السابقين أن إبراهيم الكاتب والمحاور التليفزيونى المشاغب خفيف الظل كان حضوره الشخصى مسيطرا، فتجد أنك بصدد عمل فنى يخاصم فى جزء كبير منه روح السينما، هذه المرة تضاءل كثيرا الجدل الفكرى، المباشر، وانسابت الأفكار فى نسيج الشريط، كما أن آسر ياسين لم يتقيد مثل عمرو سعد فى (مولانا)، أو خالد الصاوى (الضيف)، عندما وقعا تحت هيمنة عيسى، شاهدنا آسر بإبداع يقدم الدور الدرامى بمفتاحه، وتحرر من أى ظلال تشعها شخصية عيسى، وهو ما يأخذنا مباشرة إلى المخرج الشاب الموهوب محمد العدل، من المؤكد تمكن من حسم هذا تلك المسافة الضرورية على الشاشة، مع البطل على الورق، وهى مهمة ليست سهلة على الإطلاق.

تمكن مخرجنا الشاب، فى تجربته الثالثة والأكثر نضوجا بعد (الكبار) و(البدلة)، من تقديم روح سينمائية تملأ نفحات وليس فقط جنبات الفيلم، فى البداية استغرق قدرا من الثرثرة قبل أن يصل إلى الموضوع، وهى أن الحياة تأخذنا حتى عن الإحساس ببشريتنا، ونتحول إلى آلات، لا يعنينا إلا الصفقة المالية التى نعقدها، وهكذا ابتعد عن ابنه وزوجته أمينة خليل، وعلاقته حتى بخالقه مبتورة، المحنة توقظه، عندما تصاب زوجته بنزيف فى المخ تعقبه غيبوبة، ويعجز الطب عن إيجاد أى تفسير.

النقطة الفارقة هى هدم الضريح الذى يتباركون به لإقامة مشروع تجارى، يغضب الدراويش، رغم أن الفيلم يرفض الدروشة، نكتشف أن كل شىء يخضع للعقل، إلا أنه يحرص على بقاء تلك النفحة الإيمانية، التى لا تتعارض مع المنطق.

وينتهى الأمر بأن يعود الضريح، ويقام البناء، فى مصالحة بين العلم ومعتقدات البسطاء، مثل تلك التى قرأناها ثم رأيناها مع يحيى حقى فى (قنديل أم هاشم) قبل أكثر من خمسين عاما.

الشخصيات التى تقف فى منطقة متوسطة بين الجسد والروح، بين البشر والملائكة، تجسدها بقوة (الست روح)، التى أدتها يسرا بتفهم وإدراك لهذا الخط الفاصل، وانتقل هذا الغموض الرائع للمشاهد، أحيانا روح لا يراها إلا البطل وأخرى إنسان نتعامل معها جميعا، ويظل تاريخها يجسد تلك الحالة الأسطورية، فهى ولدت بالمستشفى وظلت بالمستشفى، كيف؟ لا يهم هنا أن تقتنع بالمنطق البشرى.

الانقسام والجدل عبر عنه التوأم الذى لعب دوريهما بيومى فؤاد، والفارق فقط فى اللثغة ظاهريا، ولكن هما يجسدان حالة الجدل، داخل الإنسان، ومن هنا جاء التماثل الشكلى بينهما حتميا، وارتفعت قامة الممثل بيومى فؤاد كثيرا بأدائه للشخصيتين.

الثنائية تنطلق بالدراما، وآسر ياسين حرره عجزه من أنانيته وتوجه للجامع والكنيسة وقرر أن يصبح رسولا لفك الكرب عن الناس، أغلبهم من البسطاء، بينما الثرى الوحيد محمد لطفى يشتركون جميعا فى الإيقاع به.

السيناريو زجزاجى فى بنائه، بهذا المزج الصوفى للتبرك بآل البيت والغناء الدينى الصوفى الذى يرسل السكينة والطمأنينة إلى قلوب الناس، والتعامل أيضا بواقعية، وهكذا اكتشف آسر ياسين أنه لم ينم ولم تسكن روحه إلا وهو يستمع لتلك التراتيل التى تملك ومضات ساحرة.

فى الكنيسة يشعل آسر شمعة ويقرأ الفاتحة، لتعم عليه البركة، وهى عادة مصرية، عندما يعجز العالم نرى البسطاء يبحثون عن الشفاء لأخذ البركة من الشيخ أو القسيس، ولا تستوقفهم أبدا الديانة، والمسلم يظل مسلما والمسيحى مسيحيا حتى لو ناله الشفاء من بركة قسيس أو شيخ.

الحالة الفنية اتكأت على أداء ممثلين مبدعين فى أدوارهم الصغيرة، وبعد آسر ويسرا وبيومى يأتى إبراهيم نصر، لم يتجاوز دوره ثلاثة مشاهد إلا أنه العبقرى، وكأنه كان يعلم أنه سيقول بعدها وداعا للدنيا، فأرادنا جميعا أن نترحم عليه على الشاشة.

يجيد المخرج محمد العدل تسكين الممثلين فى أدوار مؤثرة مهما تضاءلت المساحات، مثل ريهام عبد الغفور وإنجى المقدم ومحمود عبد المغنى وسلوى محمد على وفريدة سيف النصر وهالة فاخر والراحل محمود مسعود، كما أجاد أيضا توجيه الطفل الذى لعب دور ابن آسر محافظا على تلقائيته، التصوير سامح سليم، فهو الأكثر تفهما لروح الفيلم، وهو يعبر بالإضاءة عن السحر داخل المقام، الموسيقى التصويرية، خالد كمار، كانت بحاجة إلى التكثيف ليصبح لها دورها فى تعميق الإحساس، والأمر هنا ليس له علاقة بدرجة الصوت، ولكن كثافة الاستخدام، أدى للصخب قتل الهمس، والتى هى روح الموسيقى، وهى مسؤولية المخرج.

الوساطة لا تعنى الخضوع، فهى ليست كرامات الأولياء، لأن المتفرج يعلم تماما أنها ليست كذلك، كلها بفعل فاعل حتى الإنقاذ الأخير نجده من خلال حبكة أرادها خادم الجامع الذى لعب دوره محسن محيى الدين.

تعرض إبراهيم عيسى لهجوم حاد واتهام بسرقة (صاحب المقام) من الفيلم الإسرائيلى (مكتوب)، شاهدت الفيلم على منصة نتفليكس، وبالمناسبة أعجبنى لامتلاكه روح الكوميديا، ولكنها واحدة من التشنيعات المقصود بها إلقاء ماء النار على وجه عيسى ـ ليصبح الاتهام مضاعفا سرقة وأيضا إسرائيلى.

الشريط السينمائى (صاحب المقام) يظلمه العرض على المنصة، لأنه يمتلك روحا سينمائية حاضرة بقوة، ستزداد حضورا عندما يتاح للفيلم العرض الجماهيرى، فى مكانه الطبيعى!!

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«صاحب المقام» نفحة سينمائية تملأ الروح «صاحب المقام» نفحة سينمائية تملأ الروح



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab