بقلم - طارق الشناوي
سألتنى إحدى المذيعات، عن مكانة بليغ حمدى الذى مرت أمس ذكراه السابعة والعشرون، وهل سرق الأضواء من محمد عبد الوهاب ومحمد الموجى؟
عُدت بالذاكرة قرابة أربعة عقود، تذكرت أننى سألت الموسيقار محمد الموجى: متى تلحن لوردة؟ أجابنى (لما تطلق بليغ)، الموجى كانت لديه قناعة أن فى موسيقى بليغ الكثير من بقايا الموجى وظلال الطويل، وفى المرحلة التى احتل فيها بليغ القسط الأكبر من أغنيات عبد الحليم، النصف الثانى من الستينيات، كثيرا ما كان يصف ألحان بليغ، بأنها زاعقة مفتقدة الإحساس، بينما الموسيقار عبد الوهاب كان يقول بليغ «رخص الغناء» يقصد أنه أفقده قيمته الجمالية، يرى أن «بليغ» أكثر ملحن يأتيه الإلهام طائعًا، إلا أنه لا يجتهد كثيراً فى التعايش مع الجملة اللحنية، كان بين الموجى وبليغ صراع حاد على صوت عبد الحليم، بينما مع عبد الوهاب امتد الصراع أيضا إلى صوت أم كلثوم.
الأرقام فى جمعية المؤلفين والملحنين تؤكد أن له ما يربو على 1400 لحن، والموجى تفوق عليه بـ 1800.
بينما أرقام الأداء العلنى والذى يعنى كثرة تكرار الألحان، تؤكد أن بليغ نصيبه أكبر من الموجى، وأتذكر أن صديقى الملحن الموجى الصغير كان يرصد قبل بضع سنوات محطة الأغانى، وقال لى إن هناك تحيزًا واضحًا لأغانى بليغ على حساب الموجى، قلت له وهل بليغ على قيد الحياة حتى يجاملوه، أجابنى: الإذاعى وجدى الحكيم يوصيهم على صديقه بليغ، قلت له: وجدى قد أحيل للتقاعد، أجابنى: له خاطر عندهم، ورحل وجدى قبل ست سنوات فهل لا يزال لديه خاطر!!.
من الصعب أن يعترف البعض أن الجمال الفنى متعدد الأوجه والمستويات، شىء خاص فى موسيقى بليغ قادر على النفاذ للوجدان، كما أنه عابر للزمن.
هل كان «عبد الوهاب» يشعر بقدر من الغيرة من الأجيال التى جاءت بعده؟! أراها غيرة مطلوبة تدفعه لمزيد من الإبداع، الجديد بمثابة حافز يمنحه نبضاً جديداً فهو يريد أن يظل فى المقدمة. «الموجى» مثلاً كان يغضب أحياناً من «عبد الوهاب» إلا أنه فى نهاية الأمر يراه بمثابة الأب والأستاذ ويرفض المساس به.. «الطويل» كان يصل أحياناً فى علاقته بعبد الوهاب إلى حدود الخصومة الشخصية إلا أنه ظل على حبه وإيمانه بإبداع عبد الوهاب ولكنه لا يجد بأسًا من انتقاده.. «بليغ حمدى» أحب موسيقى عبد الوهاب، ولكنه أحب أكثر موسيقى محمد فوزى، كما أحب أيضا ابنته «أش أش» وأراد الزواج منها، ولكن عبدالوهاب منع إتمام تلك الزيجة برغم تهديدها بالانتحار فهو يرى أن بليغ بوهيمى فى موسيقاه وسلوكه.
عندما تعرض بليغ لمحنة «سميرة مليان» المغربية التى انتحرت وألقت بنفسها عارية من منزله، وحكم عليه بالسجن لمدة عام.. سافر إلى فرنسا وذلك قبل أن تُسقط محكمة النقض الحكم. كان اسم «عبد الوهاب» كثيراً ما يتردد فى الكواليس على أساس أنه لعب دورًا فى إدانة بليغ، ولم تكن لهذه الشائعة أى نصيب من الصحة، والغريب أن بليغ فى عز محنته أرسل خطابًا للموجى يطلب منه أن يتواصل مع الرئيس الأسبق حسنى مبارك لإسقاط الحكم، وفى لقاء لمبارك مع الفنانين أوصل الموجى طلب بليغ!!