بقلم : طارق الشناوي
من الممكن بجرة قلم أن تعلن الغضب على كل ما تشاهده من مسلسلات فى رمضان، وأن تترحم أيضا فى نفس اللحظة على الجيل العظيم، الذى ضحى بكل شىء ولم يفكر يوما فى تحقيق مكاسب ولكنه منحنا السعادة، الناس عادة وفى كل الأزمنة لديها تلك المشاعر مع اختلاف الدرجة، هذا قطعا يظلم عددا من الموهوبين فى كل الأجيال وهذا الجيل تحديدا.
لدينا مسلسل (ولاد الشمس)، منذ اختيار العنوان، ندرك أننا بصدد كاتب شاب لديه عمق فى الرؤية، لا يرى أن (الدراما) مجرد حدوتة، لكنها تحمل فى عمقها أبعادا أخرى، أشار إليها تلميحا، هناك أشياء مسكوت عنها، أكدت نضوج رؤية الكاتب الموهوب مهاب طارق، ارتبط مع المخرج محمد سامى شريكا فى الكتابة، كان يضبط موجته تماما عليه وكأنه يكتب بأصابع سامى، له هذا العام (إش إش) مع سامى، يصبح الكاتب الصنايعى الذى يدرك أصول الصنعة، إلا أنه عندما يمسك بقلمه يقدم أفكاره وملامحه، تكتشف أن بداخله الكثير الذى ينتظر مخرجا على نفس الموجة.
أعمال سامى تتفق أو تختلف معها، تعبر عن سامى، وكل من يعمل، حتى الممثلين حتى الكبار بنسبة ما يتقمصون روحه فى الأداء.
مهاب طارق ينتقل إلى دائرته، وأتصور أن مسلسل (ولاد الشمس) نضحت فيه تلك الخصوصية، معبرا عن طموحه الذى يتجاوز السور الدرامى المتعارف عليه .
الشخصيات على الورق تحمل دائما ظلالا وتفتح الباب لكى تطل عليها من زوايا متعددة الطوابق، قراءة مباشرة من أجل المتعة البصرية والفكرية وقراءة أخرى وجدانية تحلق بعيدا.
قبل أن أسترسل يدخل على الخط مباشرة المخرج الشاب شادى عبدالسلام، له تجارب قليلة سابقة على (ولاد الشمس)، إلا أنه فى هذا المسلسل امتلك كل أدواته: قيادة الممثلين، دلالات الملجأ بشخصياته المتعددة، الديكور والملابس والمونتاج والموسيقى، الملابس، تسكين الأدوار من أقوى أسلحته، هذا التناقض الشكلى بين مينا أبوالدهب قصير القامة الخاضع لماجد (بابا)، يؤدى الدور محمود حميدة، يملك كل شىء ويعتقد أنه فقط من حقه أن يسيطر على كل أولاد الملجأ السابقين واللاحقين، ويدينون له جميعا بالسمع والطاعة.
فى الملجأ غرفة العذاب عندما يطلب من المذنب أن يذهب طواعية لمجرد خطأ بسيط، ولو كان منديل البدلة، ويصبح هذا المنديل هو نقطة تميزه وأيضا ضعفه وكأنه (كعبل أخيل)، فى الأسطورة الشهيرة.
من أبدع الشخصيات التى منحت كل هذا الألق للمسلسل محمود حميدة، يؤدى الدور بحالة مزاجية عالية، وقناعة ذهنية فائقة، فهو يسمو على الواقع، قافزا إلى دائرة أخرى فى التعاطى، تلمح فيها النظرة واللفتة والأداء الحركى، لا أعتقد سوى أن هذا الدور كأنه مكتوب على ملامح حميدة وقدرته على قراءة كل ما هو بين السطور.
الشخصيات الرئيسية من الشباب أحمد مالك وطه الدسوقى قطعا لهما نجاحات سابقة، وهذه المرة امتلكا رسوخا فى الأداء، ومن الوجوه الصاعدة معتز هشام يمتلك بذرة نجومية، ولدينا دنيا ماهر وإسماعيل فرغلى وجلا هشام ومريم الجندى، رائع أن نرى فرح يوسف المقلة فى تواجدها، صوت بهاء سلطان جزء حميم من الحالة، الممثل مينا أبوالدهب قصر قامته يضعه فى إطار محدد، لكن ما رأيته على الشاشة أكد عمليا أنه ممثل موهوب ولديه مخزون متجاوز قيد الجسد، مسلسل (ولاد الشمس) يحمل الرد العملى على من يروج أن الحاضر خالٍ من الإبداع، وأن العقم قد أصاب فى مقتل (الجينات). لدينا مواهب تتفتح وتنضج تحت (الشمس)!!.