بقلم - طارق الشناوي
(هتاف الصامتين) كتاب استطاع من خلاله عالم الاجتماع، د. سيد عويس، تحليل ما حدث للشخصية المصرية قبل نحو 50 عاما، من خلال دراسته للكلمات التي يكتبها المصريون على مركبات السيارات، ما أشد حاجتنا إلى تحليل خطابنا الإعلامى لنعرف إلى أي منحدر نتوجه الآن.الصحافة، وإلى عهد قريب، كانت تنشر بابا لطالبى الزواج، الرجل غالبا يذكر اسمه صراحة، بينما الفتاة تكتفى بحروف أولى أو وهمية، ومحرر الباب فى حالة توفر العريس يبدأ فى فك شفرة تلك الحروف.
كان من المعروف أن من تذكر بين مواصفاتها مثلا أنها متوسطة الجمال فتلك قرينة على أنها لا تمت بأى صلة إلى الجمال، وعندما تقول إنها ممتلئة قليلا فهذا لا يعنى سوى أنها شجرة جميز متنقلة، ولأن المصريين يغنون للسمراء فى الإذاعة، ويلهثون وراء البيضاء فى الحياة، فإن من تشير إلى أى لون آخر غير أنها ناصعة البياض يتضاءل عدد مريديها.
البحث عن عريس ليس أبدا مفاجأة لأحد، فما وجه الدهشة مما أقدمت عليه مها أسامة على (اليوتيوب) عندما طلبت عريسا؟! يمكن أن نرى وجه الغرابة فقط فى أنها فتاة جميلة، المفروض أن العرسان يسارعون بالوقوف على بابها.المجتمع كثيرا ما يعلن غضبه ضد ما يبدو أنه جرأة نسائية، فى نهاية الخمسينيات غنت فايزة أحمد، بكلمات مرسى جميل عزيز، وتلحين محمد الموجى: (يا امة القمر ع الباب). أثارت الاحتجاج بمجرد ظهورها، وصادرتها بعض الإذاعات العربية، (ما عادش فيها كسوف/ يا امة اعملى معروف/ قومى افتح له الباب/ ولا أناديله!)، وقبلها بعام، غنت فايدة كامل، بكلمات عبدالفتاح مصطفى، وتلحين عبدالرحمن الخطيب: (يا قلبى قولى ح تعمل إيه/ فى الحب ده اللى بيحكوا عليه/ بتقولى أسكت.. أسكت ليه/ هو الكلام فى الحب حرام/ ولا انت ناسى مين أنا/ أنا بنت ستاشر سنة)، عند التسجيل فقط، وحتى يتم نزع فتيل الغضب، صارت: (فُت ستاشر سنة)، الأغنية تمنح ضوءا أخضر للفتاة فى هذه السن المبكرة للتعبير عن مشاعرها.
بات التراجع عن كل المكتسبات الاجتماعية هو المسيطر، نواصل المضى قُدما، وبخطوات متسارعة، للخلف دُر، حتى مع المرض باتت قلوب البعض منا متحجرة، الفنانة الكبيرة رجاء الجداوى لم يبق لها فى تلك اللحظات سوى الدعاء، ورغم ذلك، يستكثرون عليها الدعاء، يسخرون على صفحاتهم ويتعجبون، فهى فنانة، وهذا يعد سببا كافيا لعدم قبول الدعوة بالرحمة. نتابع ثقافة أخرى تغزو المشاعر والعقول، قانونها الغلظة والتجاوز اللفظى والحركى، مفردات تتدثر عنوة بالدين، صارت تغزو حياتنا، ولم تعد تقبل المراجعة ولا حتى مجرد النقاش، أن تهاجم فتاة لجأت إلى طريق مباشر فى بحثها عن عريس ملائم، أن تصادر أغنية لأنها تحرك شيئا بداخلك أنت اعتبرته غير قابل للتفكير، أن تتعاطف مع مريض وترجو له الشفاء، بينما هناك من يرى أن المرض والموت والعذاب هو العقاب العادل المستحق، الأمر يحتاج إلى تحليل علمى لكل ما نتابعه على (الميديا)، عنوانه: (هتاف المتبجحين)!!.