بقلم : طارق الشناوي
هل حالة التوجس التى عاشتها الرقابة على مدى عشر سنوات فى طريقها للزوال؟، هناك إرهاصات تؤكد أن الوزير د. أحمد هنو يبحث فى الأمر.
سبق أن كتبت قبل بضعة أشهر أن الوزير يتحمل مسؤولية أدبية وسياسية، وعندما يشتط الرقيب فى التوجس من كل شىء، يصبح لزاما على الوزير التدخل، وأظنه الآن يفعل ذلك، حتى تنضبط المعادلة، ويتم تعيين رقيب جديد، لا أقول أكثر إيمانا بالحرية بقدر ما أتمنى أن يصبح فقط أكثر دراية بأن حماية سمعة الوطن، تبدأ بفتح الأبواب أمام المبدعين، ولا نخشى من مجرد عنوان لمسلسل مثل «نصف الشعب اسمه محمد» الذى اعترض عليه، وتمت إجازته مؤخرا.
يوما ما سيصبح متاحا أمام الجميع معرفة الأسباب الحقيقية التى حالت حتى الآن دون عرض فيلم «ريش» جماهيريا فى مصر، رغم أن الفيلم حصل على عدد ضخم من الجوائز، ولو أتيح له العرض فى الداخل، فلن يتجاوز الحضور بضع عشرات، فلا يوجد أسماء أبطال تعود المتفرج أن يقطع من أجلهم التذكرة.
توجس الرقابة لم يكن فقط وليد هذه الأيام، حدث قبل نحو ٣٥ عاما، طالبت دار صحفية كُبرى بنزع الجنسية المصرية عن المخرج يوسف شاهين، بعد عرض فيلمه «القاهرة منورة بأهلها» فى مهرجان كان، طالبوا السلطات بوضع اسمه ترقب وصول فى مطار القاهرة.
ولدينا العديد من الحكايات، مثلا فى نهاية الثلاثينيات أخرج كمال سليم فيلما أطلق عليه «الحارة»، لم ترتح الأجهزة الرقابية- التابعة وقتها لوزارة الداخلية- للاسم، توجسوا فى النوايا، وطالبوا بتغيير العنوان، فـ «الحارة» توحى بظلال الفقر والعوز فصار اسمه «العزيمة»، ودخل تاريخنا السينمائى العربى كأول أفلامنا الواقعية.
عندما قدم صلاح أبو سيف فى منتصف الخمسينيات فيلمه «شباب امرأة» اشترطت الرقابة للتصريح أن يكتب قبل التترات، تحذير للأهالى حتى لا يتحول أبناؤهم إلى نسخ مشوهة من إمام (شكرى سرحان)، الذى يقيم علاقة محرمة مع شفاعات (تحية كاريوكا)، كما أنهم اعترضوا على كونه طالبا أزهريا، فقرر المخرج وكاتب القصة أمين يوسف غراب أن يصبح «درعميا» أى أنه يدرس اللغة العربية بكلية دار العلوم، فى النهاية شاهدنا فيلما جريئا لأول مرة يقدم رغبات امرأة بكل تلك الصراحة!!.
الكثير من الحكايات تؤكد أن سلاح حماية سمعة الوطن صار يستخدم، بعشوائية، عندما أخرجت قبل ٢٠ عاما، جوسلين صعب فيلم «دُنيا»، قالوا سمعة بنات مصر تنتهكها مخرجة لبنانية، رغم أنها تصدت لظاهرة ختان البنات، التى صدرت قبل سنوات قوانين تجرمه.
يبدو أن البعض لا يعرف كيف يشعر بالسعادة والفخر بإنجاز يحققه الوطن. قبل أربع سنوات فاز الفيلم القصير «أخشى أن أنسى وجهك» للمخرج سامح علاء، ولأول مرة فى تاريخ السينما المصرية بجائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان، الدورة أقيمت افتراضيا، فوجئت بأن الفيلم الذى لم يشاهده سوى عدد محدود جدا من النقاد، يواجه باتهام لا يقل ضراوة، وهو الإساءة للإسلام، لمجرد أنه قدم رجلا يرتدى نقابا، حتى يتمكن من رؤية الفتاة التى يحبها، ولم يعرض فى مصر. المخرج شريف البندارى أعلن مؤخرا وهو يحصل على الجائزة الفضية عن فيلمه القصير «أحلى فوق الأرض» فى مهرجان قرطاج أن الجائزة الحقيقية أن يعرض فيلمه فى مصر، لأن الرقابة رفضت عرضه حتى فى المهرجانات المصرية.
المأساة ليست أبدا أن نختلف على تقييم عمل فنى بطبعه يحتمل تعدد وجهات النظر، لديكم مثلا «المومياء» لشادى عبد السلام، الحاصل على جائزة أفضل فيلم عربى من مهرجان دبى السينمائى، يراه البعض فيلما مملا، لا بأس من ذلك، رغم أن المخرج العالمى مارتن سكورسيزى، ومن خلال مؤسسته أعاد ترميم النسخة وقال عند إعادة عرضه فى «كان» قبل ١٥ عاما إن شادى اخترع (أبجدية) سينمائية مصرية. إنه خلاف فنى مشروع، تتعدد فيه وجهات النظر، ولكن البأس كل البأس، أن يواجه العمل الفنى بإلقاء ماء النار اسمه (سمعة مصر) فى وجوه من نختلف معهم!!.
لدينا الآن بارقة أمل (نوارب) فيها الباب ولو قليلا، بعد سنوات الظلمة، أتصور أن هناك رغبة بالفعل فى زيادة مساحة النور!!.