بقلم : طارق الشناوي
الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، أحد أهم الأقلام التي دعمت عبد الحليم حافظ في بداية المشوار، كانت العلاقة بينهما لها مذاق الصداقة.
قدم حليم لإحسان روايتي «الوسادة الخالية» و«البنات والصيف»، وصولاً إلى آخر أفلامه «أبي فوق الشجرة»، سوف تقرأ اسم إحسان مشاركاً أيضاً في السيناريو.
خلاف فكري بينهما أحال المرحلة الزمنية التي تتناولها القصة في الأربعينات، إلى الستينات، اعترض إحسان، وتمسك عبد الحليم بصفته المنتج، ستلمح على «تترات» الفيلم اسمَي كلٍ من سعد الدين وهبة ويوسف فرنسيس مشاركَين في السيناريو. إحسان اعترض على تغيير المرحلة الزمنية، قائلاً: «إذن اكتب أنت يا عندليب وأمثل أنا». سر تمسك إحسان بتفاصيل الرواية أنها كانت تتناول حكاية حقيقية عاشها في مرحلة شبابه المبكر، عندما ارتبط بفتاة، ولم تكن أمه السيدة روزاليوسف سعيدة بتلك العلاقة، وأرسلت له زوجها زكي طليمات، لكي ينقذه من السقوط في الحب، إلا أنها فوجئت بأن طليمات وقع في حب الفتاة، ومن هنا جاء العنوان (أبي فوق الشجرة).
صراع حتمي، يتكرر بين كبار المبدعين، وله تنويعات، كانت أم كلثوم كثيراً ما تتدخل في الألحان والكلمات، وكما روى الموسيقار الكبير محمد الموجي، أنها في أول لحن عاطفي قدمه لها (للصبر حدود)، لم تقدمه إلا بعد إجراء تعديلات جوهرية، وعلى حد قوله «سنبطت» اللحن، نسبة لأشهر وأهم ملحنيها رياض السنباطي، وفي اللحن العاطفي الثاني والأخير بينهما (اسأل روحك) تمسك الموجي بوجهة نظره. إلا أننا واقعياً نكتشف أن (للصبر حدود) الذي لم يرضَ عنه الموجي، حقق نجاحاً شعبياً أكثر من (اسأل روحك) الذي نال رضاءه التام.
كانت فاتن حمامة قد دأبت أن تشاهد أفلامها قبل العرض مع المخرج في غرفة المونتاج، ولها دائماً رأي في كل التفاصيل، وعندما أنهت تصوير «إمبراطورية ميم»، إخراج حسين كمال، شاب التصوير بعض المشاحنات، ذهبت فاتن لغرفة المونتاج لمشاهدة النسخة النهائية، عندما لمحها حسين كمال، أوقف آلة المونتاج (الموفيلا) التي كانت تستخدم في عصر ما قبل الديجيتال، ونادى (عامل البوفيه) قائلاً بسخرية: «شوف يا عم سعيد مدام فاتن حتشرب إيه»، وغادرت فاتن غرفة المونتاج غاضبة، ورغم أنها لم تكرر العمل مع حسين كمال، فإن «إمبراطورية ميم» من أنجح أفلامها.
عادل إمام في العديد من أعماله له وجهة نظر في السيناريو وأسلوب الإخراج، وكثيراً ما كان له رأي في اختيار فريق العمل من الفنانين والفنيين، وفي العادة يستجيب له الجميع، وستكتشف أنه مثلاً بعد نجاح ما أطلقنا عليهم «ثورة المضحكين الجدد» نهاية التسعينات المقصود به جيل محمد هنيدي، استبدل عادل «بوصلة» اختياراته، وأصبح الكاتب يوسف معاطي هو الأول على خريطة عادل، بعد أن كان قبلها وحيد حامد مستحوذاً على النصيب الأكبر.
وجد عادل أن معاطي هو الأقدر على التقاط «شفرة» جمهور ذلك الزمن الذي وصفناه بـ«الروش».
المسافة بين الكاتب والمخرج والملحن والنجم الأول، مطرباً أو ممثلاً، كانت وستظل هي المنطقة الشائكة التي يحاول كل طرف إعلان سيطرته عليها.
لو كتبنا تاريخ الفن بصدق، سنكتشف أن عشرات من الأفلام والأغنيات، كانت تنويعة أخرى على تلك الجملة (اكتب أنت يا عندليب!).