بقلم - طارق الشناوي
على «النت» صارت المقارنات بين الماضي والحاضر
هي المادة المثيرة التي يتابعها الملايين. كثر استخدام تعبير «زمن الفن الجميل»، الحقيقة ليس فقط الفن، ولكن كل شيء في الماضي صار الوجه الآخر له هو الجمال، على الجانب الآخر كل ما يمت بصلة قربى أو نسب للحاضر، الشارع، المدرسة، الأزياء، الرجال، النساء، الأطفال، السينما، المسرح، الأغنية، الموسيقى وغيرها هي عناوين للقبح.
يتبادلون الآن صوراً من الأفلام القديمة لجيل فاتن وماجدة وشادية وهند رستم، ويقارنونها بملابس هذا الجيل، النتيجة أن الجيل القديم أكثر حشمة والتزاماً بالأعراف والتقاليد.
هل هذه هي الحقيقة؟ لديكم مثلاً اصطلاح «السينما النظيفة» هو ابن هذا الزمن، والمقصود به الأفلام المنزوعة من أي لقطة مما نُطلق عليها جريئة، بينما في الماضي، كانت مثل هذه اللقطات تصور، بدون أدنى تحفظ، الآن نجد التحفز هو السلاح الذي يشهرونه في وجه كل من يفكر في تقديم ولو مجرد شروع في قبلة.
فنان الزمن القديم الذي يملأون الدنيا حالياً بالتزامه، لم يكن دائماً ملتزماً، هل تعلم أن أم كلثوم كادت تعيد تصوير مشاهد أنور وجدي كلها في فيلم «فاطمة» بممثل آخر، بسبب تغيبه أكثر من مرة عن التصوير، أم كلثوم أيضاً سحبت قصيدة الأمير عبد الله الفيصل «من أجل عينيك» في اللحظات الأخيرة من بليغ حمدي، بعد أن كان قد قطع شوطاً كبيراً في تلحينها وأسندتها لرياض السنباطي، عندما استشعرت أنه يمنح كل طاقته لعبد الحليم حافظ، ولهذا لا يلتزم معها في البروفات، فقررت عقابه.
هل كانوا فقط لا يعرفون سوى العطاء؟ بماذا تفسر إذن التراشق الذي كان عنوان مرحلة الثمانينات بين نادية الجندي ونبيلة عبيد، بينما في رمضان الماضي، قررا الصلح في مسلسل «سكر زيادة».
شهدت الساحة في الأربعينات مثلاً صراعاً حاداً بين أم كلثوم وعبد الوهاب على منصب نقيب الموسيقيين، ولم يخلُ الأمر أيضاً من تشنيعات متبادلة، ونالت الكرسي في النهاية أم كلثوم.
الاستقطاب ليس وليد هذا الزمن، ولكنه موغل في القدم، والضربات القاسية شاهدناها حتى بين الأصدقاء، مثلما منع عبد الحليم حافظ صديق عمره الموسيقار كمال الطويل من السفر مستغلاً علاقته بالمشير عبد الحكيم عامر، ومثلما فعلت أم كلثوم مع عبد الحليم عندما أصرت ألا يشاركها في أي حفل غنائي رسمي مستغلة علاقتها بالرئاسة.
أين هو الزمن الجميل في الصراع الحاد الذي عايشناه بين الكاتبين الكبيرين محمد حسنين هيكل ومصطفى أمين، واستمر حتى بعد رحيل مصطفى أمين؛ اعترضت أسرة مصطفى أمين قبل 6 سنوات، على حضور هيكل حفل توزيع الجوائز الصحافية للتوأمين مصطفى وعلى أمين.
كان رأي المخرج السوري مصطفى العقاد أن فيلم «اللمبي» لمحمد سعد أهم مائة مرة من فيلم «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين.
شاعر العامية بيرم التونسي يوجه ضربات متلاحقة لمنافسه في كتابة الأغاني أحمد رامي، كتب بيرم زجلاً شهيراً يقول مطلعه «يا أهل المغنى دماغنا وجعنا... دقيقة سكوت لله»، للوهلة الأولى تعتقد أنه يسخر من الأغاني الرديئة مثل «ارخي الستارة إللي في ريحنا»، بينما الحقيقة هي أنه قصد تحديداً «يا وابور قولي رايح على فين» التي كتبها رامي ولحنها وغناها محمد عبد الوهاب.
نجوم الماضي ليسوا ملائكة، كما أن نجوم هذا الزمن أيضاً ليسوا شياطين!