بقلم - طارق الشناوي
نظر المخرج الفرنسى نيكولا فيليبر الحائز على (الدب الذهبى) إلى لجنة التحكيم التي ترأسها النجمة الأمريكية كريستين ستيوارت قائلا: (هل أنتم مجانين؟).
كنت من القلائل الذين شاهدوا الفيلم، تمت (برمجته) للعرض في اليوم الأخير، وأشرت، أمس، في تلك المساحة إلى أنه أكثر فيلم في (المسابقة الدولية) الفقيرة فنيا، قد حظى بتصفيق الجمهور، وأقيمت ندوة في قصر المهرجان مباشرة بعد العرض، لم يتوقف خلالها الجمهور عن الإشادة بالعمل الفنى، ولكن قطعا هذا لا يكفى لمنح الفيلم جائزة، خاصة أنها ليست جائزة الجمهور، لكنها تعبر عن معايير فنية تخضع لها لجنة التحكيم.
كان هو الفيلم الوثائقى الوحيد مع 16 فيلما روائيا وفيلمى تحريك، الأول صينى (أرت كوليج 1994) والثانى يابانى (سوموزى)، الفيلم الصينى يجبرك من فرط رداءته، أن تسأل على أي أساس تم اختياره للمشاركة في المسابقة الرسمية، بينما اليابانى من فرط حلاوته، يدفعك للتساؤل لماذا لم يحظ ولا حتى بجائزة لجنة التحكيم لتفرده كبناء فنى؟.
ويبقى السؤال الذي كثيرا ما يتردد عن مشروعية لجنة التحكيم في المقارنة بين نوعيات مختلفة من الأعمال الفنية، روائى وتسجيلى وتحريك، علينا بداية أن نبعد التحليل المباشر الذي تردد أن لجنة التحكيم تريد تغيير بوصلة الجوائز من الروائى للتسجيلى، فانحازت للأخير، لأنها أولا ليست المرة الأولى التي ينال فيها فيلم تسجيلى هذا التتويج في المهرجانات الكبرى، ثانيا مهرجان برلين قبل نحو خمس سنوات فعلها مع الفيلم التسجيلى (النار) الذي تناول الهجرة غير الشرعية، وكان يحمل تعاطفا مع هؤلاء الذين يواجهون الموت في سعيهم للوصول إلى عالم أفضل.
المقارنة مع اختلاف النوع صعبة هذه حقيقة، لو أنك بصدد مثلا اختيار الأفضل بين لاعب كرة قدم ولاعب كرة سلة ولاعب كرة يد، المشترك هو فقط الكرة، لكن التكنيك قطعا مختلف بين الألعاب الثلاثة، هذا عن اللعب، لكن في الفن تكتشف أن المرجعية الجمالية واحدة وفى النهاية، وكما يردد الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب (لا شىء يقف أمام الأجمل)، واللجنة اختارت الأجمل، برغم أن في الأفلام المعروضة أعمالا أخرى لم تحظ بجوائز، وكانت في تقييم النقاد هي الأفضل، بل (البون) شاسع بينها، والتالى لها في التقييم مثل (حيوات سابقة)، وهو فيلم كورى الهوى أمريكى الهوية، الإنتاج أمريكى، وهذا ما يمنح الفيلم الجنسية، بينما المخرجة سيلينج سونج جذورها من كوريا الجنوبية واللغة في جزء كبير منها كورية، وأيضا الأحداث تنتقل بين سيول ونيويورك، الفيلم ملىء بالتفاصيل الإبداعية في التكوين والتقطيع والانتقال الزمنى (الزجزاجى) بين أكثر من حقبة، لكن في النهاية لم تكن تلك هي قناعة لجنة التحكيم، ويأتى بعد ذلك الفيلم الأسترالى (بقاء اللطف)، قيمة هذا الفيلم تكمن في أنه يتيح للمتلقى الكثير من النوافذ في قراءة الصورة والموقف الدرامى، كما أنك في لحظة تراه موغلا في الزمن القديم، وفى أخرى تجده يرنو للمستقبل، يطرح كل الاحتمالات للقراءة، المخرج رولف دى هير كتب أيضا السيناريو، كان حريصا على تقديم هذا العالم الغرائبى، بما يملكه من سحر خاص.
وجاءت باقى أهم الجوائز، وعلى رأسها (الجائزة الكبرى) وهو فيلم (حريق) للمخرج الألمانى كريستيان بتزولد، يلتقط الفيلم هؤلاء الذين يعيشون في الحياة لكنهم يشعروك وكأنهم معزولون عن الدنيا لديهم عالمهم الخاص، عبر عنها المخرج بالحريق الذي يشتعل في الغابات المحيطة بالمنزل بينما البطل مشغول بكتابة رواية.
أما جائزة لجنة التحكيم فهى للفيلم البرتغالى (الدب الفضى) (حياة سيئة)، كما أن أفضل مخرج الفرنسى فيليب جاريل (العربة الكبيرة) أفضل أداء صوفيا اوتيو وهى طفلة على أعتاب المراهقة عن الفيلم الإسبانى (20 ألف نوع من النحل)، ونلاحظ أن المهرجان يعتبرها جائزة مطلقة في الأداء ولا يضع خطا فاصلا بين المرأة والرجل وبدأ تطبيق هذا القرار من العام الماضى وحظيت بالجائزة أيضا امرأة. وهو ما تكرر أيضا في جائزة الممثلة المساعدة تيا ايهر ـ الفيلم الألمانى (حتى آخر الليل) والسيناريو أيضا للألمانية انجيلا شاناليج وأيضا المساهمة الفنية للإيطالية ايلين لوفار. السينما العربية لم تشارك في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، لكن من لبنان فاز الشقيقان ميشيل ومانويل كسروانى بجائزة الدب الفضى لأفضل فيلم قصير، وفاز الفيلم اليمنى (المرهقون) للمخرج عمرو جمال جائزة امنيستى الدولية لحقوق الإنسان وجائزة الجمهور الثانية في قسم (البانوراما).
ويبقى الحديث عن هذا المهرجان في عدة نقاط، أهمها هو غلبة العناصر النسائية في الجوائز خاصة في السنوات العشر الأخيرة، هل هي مقصودة؟ إذا كانت الإجابة ليست مقصودة، لماذا إذن برلين فقط هو الذي يحقق هذه النسبة نحو 6 في المائة جوائز نسائية، لدى تفسير واحد، وهو أن التوجه العام للمرأة ليس لأن النساء يشكلن نسبة معتبرة في لجان التحكيم بمختلف أنواعها وأطيافها، لكن لأننا لو فرضنا التساوى بين فيلمين، واحد لرجل، والثانى توقيع امرأة، أعتقد أن القاعدة غير المعلنة هي أن تمنح الجائزة للمرأة، وفى كل الأحوال تلك قضية ساخنة وشائكة لا تكفيها تلك السطور، وتبقى قضية أخرى وهى غياب الفيلم المصرى عن المهرجانات الكبرى، ظنى أننا نعانى من تعسف الرقابة، وخوفها المرضى من الاقتراب من كل شىء، خاصة أن من يقود الدفة حاليا في الرقابة يميل بطبيعة تكوينه إلى التشكيك المسبق في أي شىء، لاعتقاده أنه بذلك يريح ويستريح، وظنى أيضا أن هذا هو العائق الأساسى، وليس كما يعتقد البعض العامل الاقتصادى، الذي لا أنكر قطعا تأثيره السلبى على صناعة السينما، إلا أنه يأتى ثانيا بعد (فوبيا) الرقابة.
وإذا استمر الحال على هذا النحو فلن نجد حتى أفلاما نشارك بها في التنافس داخل المهرجانات التي تقام على أرض المحروسة مثل (القاهرة) و(الجونة) و(أسوان) و(الإسكندرية) و(الأقصر)، وتلك لو تعلمون هي (أم المشاكل)!!.