بقلم -طارق الشناوي
في دنيا المظاليم كُثر من أصحاب المواهب لم يحققوا ما يستحقون، إلا أن الإبداع لا يموت، سيكتشف كل من أمسك يوماً بوهج النور أن النور ينتظره في اللحظة المواتية.
التقيت مطلع الثمانينات موسيقاراً كبيراً وهو أيضاً فنان تشكيلي، من بين قلة قدمت إضافات خاصة على المستوى الإيقاعي النغمي في موسيقانا الشرقية، إنه الموسيقار الكبير أحمد صدقي.
الحكاية أنه في عام 1953 وفي أثناء إعداد فيلم «ريا وسكينة» بطولة نجمة إبراهيم وزوزو حمدي الحكيم وأنور وجدي، رشّحه المخرج صلاح أبو سيف، لوضع الموسيقى والأغاني، وأشهرها «يا ختي عليها - يا ختي عليها» لحظة الفوطة المبلولة على الفم ثم طقوس نزع الأساور الذهبية من النساء قبل التخلص من الجسد.
إنه الفيلم الذي صُوِّر قبل نحو سبعة عقود من الزمان، وليس قطعاً المسرحية الشهيرة التي لعبت بطولتها شادية في الثمانينات.
الموسيقار أحمد صدقي هو الأغزر موسيقياً على المستوى الشرقي. تعثرت النغمة المطلوبة فتواصل مع صديقه ومنافسه ابن مدينة الإسكندرية الموسيقار محمود الشريف، وهو يضحك قائلاً: «هربت مني»، وفجأة ضحك وأخذ يغني «يا ختي عليها يا ختي عليها»، والشريف يقول له: «أعِد يا أستاذ أعِد». كثيراً ما كان الشريف يُسمعه بعض أغانيه التي لحّنها لليلي مراد متطلعاً لرأيه.
التنافس له وجه آخر إيجابي؟ نعم لأن تقديم نغمة جميلة يدفعك لا شعورياً لتقديم الأجمل.
ربما تجد لهذا الموقف صدى مباشراً وشهيراً في الخمسينات، تلك العلاقة بين محمد الموجي وكمال الطويل؛ تنافُس ونجاح طاغٍ والهدف المشترك تدشين عبد الحليم حافظ، النغم الأحلى والأعمق والأكثر شعبية. الموجي يصعد جماهيرياً بعبد الحليم في أغنية «صافيني مرة» 1953، فيقرر الطويل أن يطير به لأعلى 1954 في أغنية «على قد الشوق».
روى لي مثلاً الكاتب الكبير وحيد حامد صداقة كل من سمير سيف وعاطف الطيب، وحقيقة الأمر لم أكن أدري شيئاً من قبل عن تلك الصداقة، تصورتها مجرد زمالة فقط. بعد أن رشح وحيد حامد المخرج سمير سيف لإخراج سيناريو «التخشيبة»، قال له سمير بعد القراءة: «عاطف الطيب سيقدمه على الشاشة أفضل مني».
وبالفعل أصبح الفيلم أحد أهم عناوين الطيب ووحيد ونبيلة عبيد وأحمد زكي.
النفوس الدافئة تستطيع في لحظات أن تعلو عن التنافس لتدرك أن النجاح يتسع لأكثر من مجال ورؤية وعين ومذاق، وإنك جميل في لون، وهناك من هو جميل في لون مغاير.
مثلاً الثلاثية الشهيرة لنجيب محفوظ «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية»، كانت بين يدي المخرج الكبير صلاح أبو سيف الذي تربطه قناعة فكرية وشخصية وفلسفيه قطعاً مع نجيب محفوظ، عندما بدأ يقرأ بعين المدقق النص الدرامي بوصفه مسؤولاً في مؤسسة السينما الرسمية، جاءت الإجابة المباشرة على الفور: إنه حسن الإمام أفضل مني في هذا اللون.
وأضاف: «هو فعلاً تجاوزني في تلك المساحة، لا أنا ولا يوسف شاهين حققنا جماهيرية حسن الإمام في الشارع، وعمق ثلاثية محفوظ في هذا الحس الشعبي الجماهيري».
التنافس إكسير الحياة وفي كل المجالات، ولكن هناك وجه آخر للصورة. وربما الآن ونحن نعيش أجواء ماراثون رمضان الدرامي والبرامجي العربي تكتشف ولو على استحياء أن للحقيقة وجهاً آخر، ربما!