بقلم : طارق الشناوي
تابعت من خلال عدد من الزملاء الذين تناولوا على صفحاتهم بعض ما دار من مناقشات فى مؤتمر الدراما.. تأكد غياب قطاع كبير من شباب مبدعى الدراما، كتابًا ومخرجين ونجومًا، هؤلاء رغم أنه ليس لدى أغلبهم رصيد سابق عن مؤتمرات مماثلة، جاءت نتيجتها النهائية صفرًا، كانوا أكثر واقعية، يعلمون أن القرار النهائى لا تملكه تلك اللجنة ولا غيرها، ولن يُسفر المؤتمر سوى عن مزيد من الأحلام، طالما لم تتوفر رغبة حقيقية فى فتح الباب، بعيدًا عن حالة التوجس من كل شىء التى سيطرت على العديد من تفاصيل الحياة.
هل ننتظر انفراجة مثل عودة قطاع الإنتاج الدرامى أو صوت القاهرة، التابعين لهيئة الإعلام الوطنى، أعلم أن (ماسبيرو) ليس بحوزته ميزانية، حتى يسدد حقوق عدد من الكبار فى الحصول على مكافآت نهاية الخدمة، وهم- أقصد هؤلاء المخضرمين الذين أفنوا حياتهم فى ماسبيرو- تخصصوا فى إرسال شكاوى، دون جدوى.
هل تغيير جهة الإنتاج هى المشكلة، أم أن المطلوب هو تغيير الفلسفة التى تحرك مؤشر الإنتاج؟
هل تحدث الجميع فى المؤتمر بصراحة، أم أن أغلبهم كانت لديه حسبة أخرى؟!.. أعلم أن بعضهم حاول الدوران على قول الحقيقة، وهى أن لا حل سوى فتح الأبواب للتعبير والتشابك مع كل قضايانا، وأنه لا صوت يعلو على صوت الحرية، بينما تم تصدير مفهوم ورؤية خاطئة عن الحرية للرأى العام، حيث باتت تعنى لديه الانفلات فى الكلمة واللقطة.. وهكذا اطمأنوا إلى أن الأغلبية ستقول وبالإجماع: (بلاها حرية).
عودة ماسبيرو للإنتاج كان يجب أن يسبقها عودة حقيقية تشهدها الاستوديوهات، أقصد تحديثها، الزمن دار دورته، وصارت ينطبق عليها توصيف (أنتيكة)، العشر سنوات الأخيرة شهدت ثورة فى عالم التصوير والمونتاج، بينما تراجع المستوى الهندسى والتقنى الذى تعيشه الاستوديوهات، وهو ما يستلزم أيضًا من المخرجين الكبار ضرورة استعادة لياقتهم الفكرية فى التعامل مع تلك الحداثة.
كانت فى الماضى استوديوهات ماسبيرو هى الهدف والصراع بينها على أشده، الكل يتسابق ليحظى بالاستوديو الأكثر أهمية، أتذكر أن استوديو ١٠ كثيرًا ما كان يشهد مثل هذه الصراعات.
كان لدينا ترمومتر حساس، إنتاج الدولة فى العادة يعبر عن رسالة تريد الدولة توصيلها، كان المسؤول يدرك أن الأمر يجب أن يحاط أساسًا بقيمة فنية، مسلسل (رأفت الهجان) مثلًا يعبر عن رغبة دولة، هذه حقيقة، كان هدف الكاتب صالح مرسى والمخرج يحيى العلمى أن يصلا لحالة من التوحد مع الشارع، والرهان قبل موعد العرض بدقائق، عندما ترمى الإبرة فى الشارع يجب أن يسمع الجميع رنينها، الكل كان ينتظر بشغف (تتر) المسلسل، وما كان يجرى فى الشارع المصرى، اتسعت دائرته عربيًا، الجميع كان فى حالة توحد مع الشاشة الصغيرة، عمل درامى يروى بطولة المخابرات المصرية من خلال البطل رفعت الجمال، الذى دفع (الموساد) الإسرائيلى لكى يتفرغ لتكذيب الوقائع، إلا أن الصدق فى النهاية انتصر، ولأول مرة عند رحيل محمود عبدالعزيز قرأنا نعيًا من جهاز المخابرات على صفحات جريدة (الأهرام)، واستمعنا إلى صوت المتحدث الرسمى فى هذا الجهاز الحساس مشيدًا بنجمنا الكبير.
المسلسل يعبر عن حالة مثالية فى كل شىء، بداية من منح الحرية للمبدعين، الكل احترم حق الكاتب والمخرج فى تقديم رؤيتهما ودافع عنهما.
هل هناك رغبة وإرادة، أم أن ما نتابعه هو (طق حنك)، والفيل كان وسيظل فى المنديل؟.