بقلم : طارق الشناوي
هذا هو «عام الست»، هكذا قرر وزير الثقافة د. أحمد هنو، حيث بدأنا نتابع حفلات فى دار الأوبرا بمسارحها المتعددة، كل هذا عظيم ومعقول ولكن «ح أقول حاجة عنه»، هل هناك جديد أو لمحة خاصة؟.
لماذا لا نلتقط المناسبة ونقدم مثلا دراسة موثقة عن فرقة أم كلثوم الموسيقية.
لا يزال بيننا من العازفين شهود يتنفسون ويبدعون ولديهم الكثير من الأسرار والكواليس عن الفرقة.
شاركوها منذ الستينيات حتى آخر تسجيل لأم كلثوم «حكم علينا الهوى» كلمات عبد الوهاب محمد وتلحين بليغ حمدى، مارس ٧٣، حيث لم تعد قادرة على الوقوف على خشبة المسرح، وفى نفس الوقت عز عليها ألا تقدم لجمهورها أغنية جديدة كما تعودوا منها.
المركز القومى للسينما المنوط به تنفيذ تلك الأفكار، لا يزال بلا رئيس حتى كتابة هذه الكلمة، كان من الممكن أن يتبنى هذه الفكرة، لنرى هانى مهنا ومجدى الحسينى عازفى الأورج وأيضا فاروق سلامة عازف الأوكرديون، وعازف الفيولا رضا رجب، وهناك نحو ٥ عازفين على الأقل لا يزالون قادرين على رسم ملامح تلك الحقبة.
فرقة «الست» رحلة مهمة جدا فى مشوارها، أنا شخصيا لى العديد من الحكايات التى رواها لى عدد منهم، مثل عباس عظمة (عباس فؤاد)، عازف الكونترباص، الذى كان قد سبق أن رواها أيضا كما أخبرنى لكاتبنا الكبير الراحل محفوظ عبد الرحمن، ليضعها ضمن أحداث مسلسل «أم كلثوم»، إلا أن التركيبة الشخصية المحافظة جدا لمحفوظ، حالت دون تقديم هذا المشهد، الذى يرسم لنا الكثير عن شخصية «كوكب الشرق»، الحكاية هى أن عباس ارتبط فى مطلع الستينيات للذهاب إلى دولة الكويت لتقديم تسجيل، وقطعا كان الرقم الذى سيحصل عليه كبيرا.
تواصل عباس مع قائد الفرقة عبده صالح عازف القانون ورشح له أحد زملائه، ولكن عبده صالح، لم يكتم السر، أخبر «الست» بالحكاية وأيضا بموعد سفر عباس فؤاد، فما كان من «الست» سوى أنها تواصلت مع المسؤولين لمنع سفره.
بعد أن صعد للطائرة، قبل الإقلاع بدقائق، كان لا بد من تنفيذ رغبة «الست».
وكما قال لى العازف المبدع «عباس عظمة»، أن كل الركاب تساءلوا لماذا؟، واضطر أن يحكى لهم فصفقوا له وهو يغادر باب الطائرة، لأنهم كانوا سعداء بأنه سيعزف وراء «كوكب الشرق»، سألت الأستاذ محفوظ لماذا استبعد هذا المشهد الدرامى المؤثر؟، أجابنى خشيت على الصورة الذهنية التى يحملها هذا المشهد، باعتبارها تملك سلطة تستغلها لصالحها، تمنع مواطنا من السفر لأكل عيشه، احترمت رأى الأستاذ محفوظ ولكنى اختلفت تماما معه، فهو يقدم مشهدا موثقا، وله وجهان وزاويتان للرؤية من الممكن أن ترى فيه حرص أم كلثوم على فنها، وهى لم تؤذ عباس، وتطرده مثلا من الفرقة، ولكن فقط دافعت عن حقها، ثم إننا لا نقدم ملاكا بل إنسانا، كما أن عباس تقبل الموقف ببساطة.
وروى أن صفة «عظمة»، كان يطلقها عليه أصدقاؤه فى جلساتهم الخاصة، وبعضهم ذهب للحفل أثناء عزفه «صولو» الأغنية الشهيرة «إنت عمرى»، وهى من المرات القليلة التى يتاح فيها للكونترباص أن يؤدى منفردا مع «القانون» مبارزة فنية، اعتقدت أم كلثوم أن عباس اتفق مع أصدقائه على هذا النداء، ولكنه أقسم لها بأنه فوجئ مثلها تماما. وظل يحمل لقب «عباس عظمة» حتى رحيله، إلا أن الناس أيضا فى كل حفلات أم كلثوم كانت تردد «عظمة على عظمة يا ست». ومن الحكايات التى تحتاج أيضا إلى توثيق ما يردده فاروق سلامة من أنه كان يتمتع عند عزف صولو الأوكرديون بحرية الابتكار فى ألحان بليغ حمدى ومحمد عبد الوهاب. أتمنى أن نسعى إلى توثيق هذه المعلومة وغيرها، هل يسمعنا أحد؟.