لا أنسى هذا المشهد الهزلى فى فيلم «آه من الرجالة» الذى لعب بطولته مديحة يسرى ومحمد فوزى، عندما اختلف الحاضرون فى ندوة أقيمت للدفاع عن حقوق المرأة، هل يقولون فى الخطاب الافتتاحى أيها المحترمون أم أيتها المحترمات، «مين أم مات»، واشتعلت المعركة وتطايرت الكراسى، وهنا هتف صوت عاقل (هو مين إللى مات)؟
السينما المصرية قدمت الأسبوع الماضى بعد طول غياب، عددًا من الأفلام بطولة نساء: يسرا (ليلة العيد)، ومنى زكى (رحلة 404)، وهالة صدقى (الملكة)، وليلى علوى (مقسوم)، قطعًا تباين المستوى.. أعادت تلك الأفلام مجددًا المرأة النجمة للبطولة متصدرة «الأفيش» وأيضًا الجزء الأكبر من الدراما.
السينما المصرية لها خصوصية، فلقد قامت على أكتاف النساء، مثل عزيزة أمير وآسيا وبهيجة حافظ وأمينة محمد وفاطمة رشدى ومارى كوينى، حتى ولو قالت بعض المراجع إن فيلم «ليلى» لعزيزة أمير، والذى كانت تعتبره العديد من الدراسات وإلى عهد قريب أول فيلم مصرى؛ هذا الفيلم بدأ البعض يشكك فى أن عزيزة أخرجته بمفردها.
بل أشاروا إلى أن هناك من ساعدها من الباطن، مثل وداد عرفى واستيفان روستى، إلا أنها فى الحد الأدنى قد غامرت بأموالها واسمها فى وقت كانت تعتبر فيه السينما رجسًا من عمل الشيطان.
المرأة لم تُكمل المسيرة كمخرجة، هذا لو استثنينا تجربتى مديحة يسرى وماجدة الصباحى. ثم عرفنا فى الثمانينيات عددًا من المخرجات، مثل نادية حمزة وإيناس الدغيدى، وبعد ذلك بدأنا نتابع ثراء على الشاشة من خلال ساندرا نشأت وكاملة أبوذكرى وهالة خليل وآيتن أمين وهالة لطفى وماجى مورجان وغيرهن، ثم فيض من المخرجات، ولكن لا تستطيع أن تشير إلى أنها بالضرورة أفلام نسائية.
أفضل الأفلام التى أرى فيها ملامح نسائية فى الربع قرن الأخير هى «أحلام هند وكاميليا» محمد خان، و«يا دنيا يا غرامى» مجدى أحمد على، و«أحلى الأوقات» هالة خليل، و«الخروج للنهار» هالة لطفى، وأضم لها مؤخرًا «رحلة 404» هانى خليفة.
يطلقون أحيانًا على القصص النسائية أدب الأظافر الطويلة، وأنا لا أريد أن تنتقل هذه الصفة بما تثيره من ظلال أيضًا لمخرجات السينما؛ فلا توجد سينما للمرأة يقابلها سينما رجل، «كوتة» فى السياسة من الممكن أن أتفهم دوافعها، ولكن فى الفن وخاصة فى السينما تثير لدىّ العديد من علامات الاستفهام.
أتذكر قبل عشر سنوات أن عددًا من المخرجات والكاتبات فى العالم، وقّعن بيانًا يعلنّ فيه أن مهرجان «كان» بات ذكوريًا، لأنه بين 22 فيلمًا داخل المسابقة الرسمية لم يتواجد أى فيلم إخراج امرأة، وكانت مجرد صدفة غير مقصودة.
أحيانًا أشعر أن أسوأ من يدافع عن حقوق المرأة هى المرأة، وذلك عندما تحاول بعضهن أن يجعلن القضية هى المرأة، وينظرن من خلال زاوية ضيقة، لا ترى سوى نفسها فتتغزل فيها أو تضع إطارًا وتقيم سورًا عاليًا مكتوبًا عليه هذه المنطقة مخصصة فقط للنساء.
المبدع بالدرجة الأولى يتجاوز حدوده الجغرافية والبيئية والعِرقية والدينية والجنسية ليصل إلى العمق وهو الإنسان!!. الإبداع يستمد وقوده من العقل والوجدان، الذى لا يُفرق فى تقييمه بين رجل وامرأة، أتفهم فى المسابقات الرياضية أن يتم هذا الفصل بين المرأة والرجل، ولكن لم يحدث أن تم رصد جائزة فى الأوسكار لأفضل مخرجة أو كاتبة أو مونتيرة، الجائزة التى تحصل عليها المرأة تتحقق قيمتها، لأنها اقتنصتها من الجميع نساءً ورجالًا!!.
هل تعود المرأة فى السينما المصرية لصدارة (الأفيش)؟ أتمنى أن يحدث ذلك، لأن هذا يعنى فى نهاية الأمر إعادة التوازن الدرامى المفقود، الذى دفعت ثمنه غاليًا النجمات.
المرأة لا تحتاج إلى «كوتة»، سينما للنجوم أو النجمات أو للمخرجين وأخرى للمخرجات، الإبداع لا يعرف مين ولا مات!!.