بقلم - طارق الشناوي
المخرج أصبح يذهب للأستوديو رافعًا راية الاستسلام أمام جبروت نجم الفيلم، لأنه يعلم تمامًا أنه لولا رضائه ما كان من الممكن تواجده أساسًا في (اللوكيشن)، ناهيك عن أنه في الأغلب رشحه للمنتج حتى يتعاقد معه.
تغيرت المنظومة وتبدلت المعايير، وأصبحنا نعيش في ظل قانون الهرم المقلوب، الذي يعنى أن العصمة صارت بيد النجوم.
في لحظة صراحة، قال لى المخرج الشاب إنه ظل يطارد النجم الشهير بضعة أشهر، حتى يوافق أن يعرض عليه مشروعه، قال له النجم وبكل تعال، بعد طول انتظار: (مبدئيًا أنا موافق، وطلب منه أن يشرح له رؤيته الإخراجية، ليحدد بعدها موقفه النهائى).
أجابه المخرج بأن الرؤية هي حقه المطلق، وعليه أن يمنحه الثقة ليتحمل المسؤولية أمام الجمهور، جاء رد النجم حاسمًا: (لا تنسَ أن الجمهور يحاسبنى أنا أولًا)، ومن بعدها تعطلت لغة الكلام، وعاد المخرج الشاب للمربع رقم واحد، يبحث عن نجم يؤمن بأن من حق المخرج تقديم رؤيته بلا وصاية مسبقة من أحد.
أغلب مخرجينا حتى عدد من الكبار منهم، صاروا يقدمون فروض الطاعة والولاء للنجم صاحب الرأى الأول والأخير في المنظومة برمتها.
في الحياة الفنية كثيرًا ما تتحول معالم الضعف إلى مظاهر قوة، المخرج صاحب الإرادة في كثير من الأحيان مستبعد، النجم يريد أن يعمل تحت مظلة المخرج المطيع، الذي ينفذ أوامره، وهكذا قد يبتعد عن العمل مخرجون موهوبون، بينما يتواجد بكثرة هؤلاء الذين يقع اختيار النجوم عليهم، وهم واثقون تمامًا من تنفيذهم، دون حتى مناقشة، لما يريده النجم، ضعفهم هو سر قوتهم.
الخضوع يصل بالمخرج إلى توصيل رسالة علنية، ليس فقط للنجم الذي يعمل تحت مظلته، ولكن للنجوم الآخرين بأنه سيظل دائمًا وأبدًا حريصًا على ألا يغضبهم، وأن مبدأه هو (علشان الشوك اللى في الورد بحب الورد)، ومع الأسف أغلب نجومنا يفضلون العمل مع هؤلاء الذين يتعاملون بسعادة تصل إلى تخوم (المازوخية) مع أشواك الورد.
التجربة العملية أثبتت أن النجم حتى يحقق مكانته ينبغى أن يستند إلى وجهة نظر مخرج، مثلًا في مرحلة فارقة في مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضى، تعاون عادل إمام مع المخرج شريف عرفة، الذي قدم مجموعة من الأفلام بدءًا من (اللعب مع الكبار)، الذي كتبه وحيد حامد، تشعر في الشريط السينمائى بروح مخرج لديه عالمه الخاص، صحيح أن الثلاثة (الكاتب والمخرج والنجم)، التقوا في منطقة إبداعية متوسطة، إلا أنه يظل لدينا مخرج صاحب رؤية، قال لى وحيد إن شريف حرص على أن يقول له (أفلامى السابقة لم تحقق إيرادات، وربما يعترض عادل على ترشيحك لى)، رد وحيد (هذا فيلم شريف عرفة وليس عادل إمام).
من صالح النجوم أن يدركوا حاجتهم إلى عين مخرج، إلا أن النسبة الغالبة من النجوم يبحثون فقط عن المخرج المنفذ لأفكارهم وشطحاتهم، كثيرًا ما تغيب عن الشاشة أسماء مخرجين كبار، لا أعنى بكلمة كبار المرحلة العمرية ولكن العطاء الفنى، الذي لا يمكن قياسه بالزمن، عدد من الأفلام السينمائية المغايرة للسائد اعتمدت على نبض مخرجيها أكثر من سطوة نجومها، إلا أن نجوم هذا الجيل صار أغلبهم يبحثون عن محدودى الإرادة والموهبة، المخرج مهيض الجناح، الذي تمت قصقصة ريشه، هو المطلوب لأنه داخل الأستوديو (لا يهش ولا ينش ولكنه يكش ويكش)!!.