بقلم_ مشعل السديري
لما حاصر أبو جعفر المنصور ابن هبيرة، قال: إن ابن هبيرة يخندق على نفسه مثل النساء. فبلغ ذلك ابن هبيرة، فأرسل إلى المنصور: أنت القائل كذا وكذا؟ فاخرج إليَّ لتبارزني حتى ترى. فكتب إليه المنصور: ما أجد لي ولك مثلاً إلا كأسد لقي خنزيراً، فقال له الخنزير: بارزني، فقال الأسد: ما أنت لي بكفء، فإن نالني منك سوء كان ذلك عاراً عليّ، وإن قتلتك قتلت خنزيراً، فلم أحصل على حمد، ولا في قتلي إياك فخر، فقال له الخنزير: إن لم تبارزني لأعرفن السباع أنك جبنت عني. فقال الأسد: احتمال عار كذبك أيسر من تلويث راحتيّ بدمك.
وهناك رجل رفع فيه عند المنصور بأن عنده أموالاً لبني أمية، فأمر بإحضاره، فلما حضر قال المنصور: رُفع إلينا أن عندك ودائع وأموالاً وسلاحاً لبني أمية، فأخرجها لنا لنجمع ذلك إلى بيت المال. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين أنت وارث لبني أمية؟ قال: لا، قال: فلم تسأل إذن عما في يدي من أموال بني أمية ولست بوارث لهم ولا وصياً؟
كما دخل عمارة بن حمزة يوماً على المنصور في مجلسه، فقام رجل وقال: مظلوم يا أمير المؤمنين. فسأله: ومن ظلمك؟ رد عليه الرجل: إنه عمارة بن حمزة، غصبني ضيعتي. فقال المنصور: يا عمارة، قم فاقعد مع خصمك. فرد عليه عمارة: ما هو لي بخصم، إن كانت الضيعة له فلست أنازعه فيها، وإن كانت لي فقد وهبته إياها.
دخل شاب على المنصور فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مات، رحمه الله، يوم كذا، وكان مرضه، رضي الله عنه، كذا وكذا، وترك من المال، عفا الله عنه، كذا وكذا. فانتهره الربيع – وكان لقيطاً - وقال له: أبين يدي أمير المؤمنين توالي الدعاء لأبيك؟ فقال الشاب: لا ألومك يا هذا؛ فأنت لم تعرف حلاوة الأبوة. فضحك المنصور ضحكاً لم أسمعه من ملك من قبل.
دخل ابن هرمة على المنصور وامتدحه، فقال له المنصور: سل حاجتك. قال: تكتب إلى عاملك بالمدينة إذا وجدني سكران فلا يحدني. فقال له المنصور: هذا حد لا سبيل إلى تركه، ثم قال لكاتبه: اكتب إلى عاملنا بالمدينة من أتاك بابن هرمة وهو سكران فاجلده ثمانين، واجلد الذي جاء به مائة. فكان رجال الشرطة يمرون عليه وهو سكران فيقولون: من يشتري ثمانين بمائة؟ فيمرون عليه ويتركونه. صدق من سمّاه (ابن الهرمة)، بل إنه من وجهة نظري (ابن ستين هرمة).