بقلم_ مشعل السديري
كانت لعم (الحكم) سلطان الأندلس، دعوى على واحد من العامة، وكان يظنُّ المدعي أن له من علو مكانته، ووثيق صلته بالأمير ما يمكن له عند القاضي، وإذا بالقاضي يقول له: قف بحذاء خصمك ولا تتكلم حتى أكون أنا الذي أسألك، فلما أدلى بدعواه قال للمدعى عليه: ما تقول؟ قال: ليس علي شيء أصلح الله القاضي، قال القاضي للمدعي: هات بينتك، قال: ألا يكفيك قولي؟ قال: لو كفاني ما سألتك بينتك، قال: أمهلني، وذهب (العم) إلى ابن أخيه (الحكم بن هشام الداخل)، فقال: ألست تعرف أن لي على فلان كذا؟ قال: بلى، قال: إذن أتشهد لي؟ قال: أنت تعرف القاضي وأخاف ألا يقبل شهادتي، قال: كيف وأنت الذي ولَّيته القضاء؟ فرد عليه بصرامة: هذا إذن! فدعا الملك فقيهين، وكتب شهادته أمامهما، وأشهدهما عليه، وقال: امضِ بها إليه وأنا أخاف ألا يقبلها.
فلما كان يوم المحاكمة، وبعد أن قرأ القاضي البينة، قال للعم: إنني لم أقتنع بحجج ابن أخيك، قال القاضي للعم: بينتك ابن أخيك، فاستشاط العم غضباً، وجن جنونه وذهب إلى ابن أخيه، وقال: أنت سلطان هذه البلاد، والقاضي ردَّ شهادتك، ماذا بقي لك من الكرامة والسلطان؟ فضحك الحاكم وقال: ألم أقل لك يا عم؟ إن القاضي رجل صالح لا تأخذه في الله لومة لائم، لقد عمل ما يجب عليه أن يعمله، فأحسن الله جزاءه.
قال: فاعزله، قال: أعوذ بالله، أن أخون المسلمين في عزل مثله، أنا عملت ما علي وشهدت لك، وللقاضي أن يقبل الشهادة أو يردها.
وفي واقعة أخرى: بطلها أحد القضاة، وهو القاضي المعروف (الرشيد بن الزبير)، وكان على جلالته وفضله قبيح المنظر، وقد حدث يوماً وهو يقول:
مررت بموضع في القاهرة، وإذا امرأة شابة صبيحة الوجه وضيئة المنظر، فلما رأتني نظرت إلي نظر مطمع لي في نفسه، فتوهمت أنني وقعت منها بموقع، ونسيت نفسي، وأشارت إلي بطرفها فتبعتها وهي تدخل في سكة وتخرج من أخرى حتى دخلت داراً، وأشارت إلي فدخلت ورفعت النقاب عن وجه كالقمر في ليلة تمامه، ثم صفقت بيديها منادية: يا ليلى فنزلت إليها طفلة، فقالت لها: إن رجعت تبولين في الفراش مرة أخرى تركت سيدنا القاضي هذا يأكلك، ثم التفتت إلي مبتسمة وهي تقول: لا عدمني الله إحسانك.
وخرجت وأنا خزيان خجلاً، لا أكاد أهتدي للطريق.