بقلم - مشعل السديري
قال عبد الملك بن مروان يوماً لجلسائه: خبّروني عن حيّ من أحياء العرب فيهم أشد الناس، وأسخى الناس، وأخطب الناس، وأطوع الناس في قومه، وأحلم الناس، وأحضرهم جواباً، قالوا: يا أمير المؤمنين، ما نعرف هذه القبيلة، ولكن ينبغي لها أن تكون في قريش، قال: لا، قالوا: ففي حمير وملوكها، قال: لا، قالوا: ففي مضر، قال: لا، قال مصقلة بن رقيّة العبدي: فهي إذاً في ربيعة ونحن هم، قال: نعم، قال جلساؤه: ما نعرف هذا في عبد القيس إلا أن تخبرنا به يا أمير المؤمنين، قال: نعم، أما أشد الناس فحكيم بن جبل، كان مع علي بن أبي طالب - رضي اللّه عنه - فقطعت ساقه فضمّها إليه حتى مر به الذي قطعها فرماه بها فجدله عن دابته، ثم جثا إليه فقتله واتكأ عليه، فمر به الناس فقالوا له: يا حكيم، من قطع ساقك؟ قال: وسادي هذا، وأنشأ يقول:
يا ساق لا تراعي... إن معي ذراعي... أحمي بها كراعي
وأما أسخى الناس، فعبد اللّه بن سوّار، استعمله معاوية على السند، فسار إليها في أربعة آلاف من الجند، وكانت توقد معه نار لا تنطفي حيثما سار، ليطعم الفقراء والمساكين طوال طريقه.
وأما أطوع الناس في قومه، فالجارود بشر بن العلاء؛ إذ إنه لما قبض رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - وارتدت العرب، خطب قومه فقال: أيها الناس، إن كان محمد قد مات فإن اللّه حيّ لا يموت، فاستمسكوا بدينكم، فمن ذهب له في هذه الرّدّة دينار أو درهم أو بعير أو شاة فله عليّ مثلاه! فما خالفه منهم رجل.
أما أحضر الناس جواباً فصعصعة بن صوحان، دخل على معاوية في وفد أهل العراق، فقال معاوية: مرحباً بكم يا أهل العراق! قدمتم أرض اللّه المقدسة، منها المنشر وإليها المحشر، قدمتم على خير أمير، يبرّ كبيركم ويرحم صغيركم، ولو أن الناس كلها ولد أبي سفيان لكانوا حلماء عقلاء! فأشار الناس إلى صعصعة، فقام فحمد اللّه وصلى على النبي، ثم قال: أما قولك يا معاوية إنا قدمنا الأرض المقدّسة، فلعمري ما الأرض تقدس الناس، ولا يقدّس الناس إلا أعمالهم، وأما قولك منها المنشر وإليها المحشر، فلعمري ما ينفع قربها ولا يضر بعدها مؤمناً.
أما أحلم الناس فهو الأشج العبدي، الذي ناداه رسول الله قائلاً له: إن فيك خلتين يحبهما الله: الأناة والحلم.