بقلم - مشعل السديري
جاء في الأخبار أن أمير المؤمنين (المأمون) في أحد مجالسه سأل القاضي يحيى بن أكثم ما العشق؟ فقال يحيى: سوانح تسنح للمرء، فيهيم بها قلبه، وتتواتر بها نفسه. فقال له: ثمامة: أمسك أيها القاضي رحمك الله إنما عليك أن تجيب في مسألة طلاق، أو محرم صاد صيداً، وأما هذا فمن مسائلنا نحن.
وللمعلومية فثمامة هذا كان سليط اللسان ومناظراً قوياً، وأديباً بارعاً، وكان يمثل لوناً مميزاً من ألوان الاعتزال، فهو كثير التردد على قصور الخلفاء، يزين مجالسهم بالكلام العذب في أدب الأدب والمناظرة في مسائل معتزلة الاعتزال وغير الاعتزال، وقد مُلئت كتب الأدب بأحاديثه الممتعة ونوادره الطريفة، وصفه الشريف المرتضى فقال (كان واحد دهره في العلم وأدب الأدب، وكان جدلاً حاذقاً)، وقد تأثر الجاحظ به كثيراً في أسلوبه ومعانيه.
عندها التفت المأمون إلى ثمامة قائلاً: هات ما لديك، فقال: العشق جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب مالك، ومالك قاهر، مسالكه لطيفة، ومذاهبه متضادة، وأحكامه جائرة، مالك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والنفوس وآراءها، وأعطي زمام طاعتها وقياد مملكتها توارى عن الأبصار مدخله، وغميض عن القلوب مسلكه.
وأردف قائلاً: لم أرَ حقاً أشبه بباطل ولا باطلاً أشبه بحق من العشق، هزله جد وجده هزل، وأوله لعب وآخره عطب.
كما قيل لأبي زهير المدني: ما العشق؟ فقال: الجنون داء أهل الذل، وهو داء أهل الظرف، وقال بعض الأطباء في صفة الحب: امتزاج الروح بالروح، ولو امتزج الماء بالماء لامتنع تخليص بعضه من بعض فكيف والروح ألطف امتزاجاً، وأرق مسلكاً.
وسئل أعرابي عن الهوى، فقال: هو أغمض مسلكاً في القلب من الروح في الجسد، وأملك من النفس بالنفس، بطن وظهر، لطف وكشف، فامتنع عن وصفه المسلك والكمون، وروى أهل السير أن الذين علق الحب قلوبهم فماتوا، أو جنوا هم الذين لا يزيل صاحبه أبداً حتى يموت، أو يهيم على وجهه، ويشهد بذلك قول المجنون:
وعلقت ليلى وهي ذات موصد
ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا
صغيران لم نكبر ولم تكبر البهم
ومن قول جميل:
علقت الهوى منها وليداً ولم يزل
إلى الآن ينمو حبها ويزيد
وأفنيت عمري في انتظار نوالها
وأفنيت بذاك العمر وهو جديد
ولا أملك إلاّ أن أضرب على صدري وأقول: (يا ويلك يا مشعل ويلاه) -