بقلم - مشعل السديري
الهند وما أدراكم ما الهند، فهي بلاد المتناقضات والمعقول واللامعقول، والفلسفة الروحية الراقية والعادات البدائية الخرافية، يعطفون تقريباً على كل الكائنات إلى درجة أن بعضهم يحاذرون حتى من الدوس على النمل، ويتركون القردة والنسانيس التي تجاوزت أعدادها عشرات الملايين، تسرح وتمرح وتنتقل وتتقافز من بيت إلى آخر، بدون أن يردوها أو يصدوها وكأنها ما شاء الله من (الضيوف) لهذا يقاسمونها ما لديهم من طعام، أما عن البقر – أو البقرة الأنثى تحديداً لا (الثور) - فحدثوا عنها ولا حرج.
فهل تعلمون أنه في مقاطعة (مارغو بوبور) التي تقطنها غالبية مسلمة، تفرض الشرطة غرامة في حدود (630 دولاراً) على كل من يقتل بقرة.
وفي عام 2014، مع وصول حزب باهارتيا جاناتا الهندوسي إلى السلطة - الذي يعتبر حماية البقرة من أهم الأولويات - مُنع المزارعون من بيع أبقارهم، فتركوها سائبة لأنهم لا يستطيعون تحمل تكلفة علفها، فعاثت في أسواق الخضراوات والمأكولات من دون أن يمنعها أحد.
والمشكلة، أن أعدادها وصلت إلى ما يقارب من (300) مليون بقرة، والمضحك أنه حتى الأفاعي وهي الأفاعي تعيش بينهم بسلام.
غير أنه في عام 1919 أراد الاحتلال البريطاني في الهند القضاء على الأفاعي، خصوصاً (أفعى الكوبرا) السامة، بسبب انتشارها وتسببها في حالة من الرعب لدى المستوطنين الإنجليز، فوضعوا تحفيزاً يتم بموجبه إعطاء مكافأة لمن يقوم بقتل أفعى وتسليمها لهم. في بادئ الأمر حققت هذه الفكرة نجاحاً باهراً، حيث تحول أهالي دلهي الفقراء لصائدي أفاعٍ، وبعد ذلك عمد العديد من الهنود لتربية أفاعي الكوبرا لأن مكافأتها هي الأغلى، وجعلها تتكاثر بشكل مهول داخل منازلهم قبل قتلها وتسليم جلودها للسلطات وأخذ المكافأة، وجنوا من هذه التجارة أرباحاً هائلة، فلما اكتشفت السلطات البريطانية خداع الهنود لهم ألغت المكافأة، فزاد ذلك الطين بلة، حيث عمد الهنود إلى الانتقام بإطلاق الأفاعي في الشوارع لأنها لم يعد لها قيمة، وزادت أعدادها بشكل أكبر من ذي قبل وانتشرت بشكل أوسع وأودت بحياة الكثيرين من الإنجليز؛ مما جعل أكثر العاملين والمستوطنين الإنجليز يستقيلون أو يغادرون إلى بلادهم، بل إن الموظفين والجنود في بريطانيا المزمع ذهابهم للهند رفضوا السفر وأعلنوا الإضراب، عندها وقعت الحكومة البريطانية في (حيص بيص).
ومنذ ذلك الوقت حتى الآن، أصبح كل قانون يتم إقراره بلا دراسة، ويزيد من تعقيد المشكلة عوضاً عن حلها، يطلق عليه اسم (تأثير الكوبرا).