بقلم: مشعل السديري
حوّلت السكرتيرة مكالمة هاتفية من مطار موسكو طلبها المتحدث الرسمي الليبي قائلاً: أنا قادم من ليبيا لفتح سفارة في موسكو، وقد كلفتني حكومتي أن أتصل بسفارة السودان لتسهيل مهمتي. كانت ليبيا وقتها تحت حكم الملك السنوسي قبل حكومة القذافي. فقال المسؤول السوفياتي: سألناه لماذا سفارة السودان بالذات، وفي موسكو عدد من السفارات العربية الأخرى؟! رد الليبي قائلاً: هذا التوجيه من الملك السنوسي شخصياً بسبب حب واعتزاز الملك والشعب الليبي كله بالسودانيين.
واصل قائلاً: في أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت ليبيا تحت الحكم الإيطالي، وإيطاليا مع دول المحور في صف ألمانيا، وكان الحلفاء بقيادة بريطانية في الجانب الآخر، وكان السودان تحت الحكم البريطاني، وسقطت مدينة طبرق الليبية في أيدي الحلفاء وجيشهم المكون من الإنجليز والهنود والأفارقة وغيرهم من الأجناس، وكالعادة في الحرب عند سقوط المدينة أصدر القائد البريطاني أوامره للجنود لاستباحة المدينة ثلاثة أيام، وسط صيحات الفرح والابتهاج من قبل الجنود، وهنا وقف الجندي السوداني الموقف الذي ما كان ليقفه غيره، إذ شكلت الكتيبة السودانية حاجزاً بين الجيش الغازي والمدينة وأشهروا سلاحهم في حالة استعداد لإطلاق النار لو نفذوا ذلك، وقال قائدهم مخاطباً القائد البريطاني: لن تستبيح المدينة إلا على أجسادنا، في هذه المدينة نساء عربيات مسلمات هن عرضنا ولا يمكن أن نسمح لأي أحد أن يمس شعرة منهن والحكم بيننا وبينكم السلاح. أمام هذا التصميم لم يملك القائد البريطاني إلا أن يأمر الجنود بالبقاء في مواقعهم وعدم دخول المدينة وبذا أنقذ الجندي السوداني البطل نساء طبرق العربيات المسلمات مما كان سيلحق بهن، وهذا دين في رقابنا نحن الليبيين لن ننساه - انتهى.
وتحياتي للشعب السوداني الشقيق، ورحم الله الملك السنوسي على وفائه، وهذه صفحة بيضاء مشرقة في التاريخ يجب أن تذكر.
وكانت ليبيا في ذلك الوقت حديثة التوّحد بأقاليمها الثلاثة، وتتطلع إلى حياة أفضل بعد اكتشاف المخزونات النفطية الهائلة في أراضيها. ومن مواقف الملك السنوسي الوطنية أنه عند هزيمة الجيش المصري عام 1967. سارعت ليبيا مع السعودية والكويت بمساعدة مصر بالملايين للوقوف على قدميها، ولكن ما هي إلاّ ثلاثة أعوام حتى حدث الانقلاب في ليبيا، وتولى الحكم القذافي الذي لا يعرف له (رأس من ساس) بتصرفّاته وشطحاته المتناقضة التي لا تمت للعقلانية بأي صلة، وفاتت على ليبيا فرصة عمرها - وبعد أن قتلوه - ما زالت البلاد تتخبّط إلى اليوم، بأنها معرضة حتى إلى (التقسيم).