بقلم - مشعل السديري
عام 65ه الموافق 634م، تولى عبد الملك بن مروان الخليفة الخامس في الدولة الأموية الخلافة، وحارب الفرس على الجبهة الآسيوية، والقواعد البيزنطية وعلى الساحل الشمالي من أفريقيا.
وعند ذهابه إلى أفريقيا، وكّل القائد زهرة بن الحوبة في حربه ضد الفرس وإخراجهم من المدائن وفيها ملك الفرس يزدجر.
وعند اشتداد المعركة أصيب القائد بسهم، وذلك أنه كانت عليه درع مفصومة، فقيل له: لو أمرت بهذا الفصم فسُرد - يعني: حتى لا تبقى فيها فتحة تصل منها السهام، وعندما قالوا: نخاف عليك منه، قال: إني لكريم على الله إن ترك سهم فارس الجند كله، ثم أتاني من هذا الفصم حتى يثبت فيّ، وكان كريماً على الله تعالى كما أمل، فكان أول رجل من المسلمين أصيب يومئذ بسهم، فثبت فيه من ذلك الفصم، فقال بعضهم: انزعوها منه، فقال: دعوني فإن نفسي معي ما دامت في لعلي أصيب منهم بطعنة أو ضربة أو خطوة، فمضى نحو العدو فضرب بسيفه شهريار من أهل اصطخر فقتله.
وهذا موقف عظيم من هذا القائد البطل زهرة يدل على قوة إيمانه ورغبته الصادقة في الاستشهاد في سبيله، فإنه لما علم الله تعالى صدق نيته ورغبته في الإصابة قدّر إصابته من ذلك المكان.
ثم لننظر إلى هذا البطل الذي خالط حب الجهاد شغاف قلبه، حيث يعارض في نزع السهم من جسمه خشية أن تخرج روحه قبل أن يضرب في الأعداء، فهو يريد بقاء نفسه لا لمتاع الدنيا الزائل، وإنما ليضرب ضربة يثخن بها في العدو، أو على الأقل أن يتقدم إليهم خطوات لتخرج نفسه وهو أقرب ما يكون إلى العدو - وقد قال أحدهم عنه هذا الموقف البطولي:
سبحان الله، ما أعظم هؤلاء الرجال أما كان يكفي زهرة من النضال والتضحية ما قدمه في مواقفه السابقة الكثيرة؟ أما كان من حقه - وقد أصيب - أن ينزوي في ناحية بعيدة آمنة ليعالج جرحه ويأخذ قسطاً من الراحة؟
نعم كان ذلك من حقه، ولكنه من قوم ينسون أنفسهم في سبيل تقديم الخدمة لأمتهم.
وللمعلومية: يحسب لأمير المؤمنين ابن مروان، أنه كان أول من سك الدينار الذهبي الإسلامي عام 77هـ، والاستغناء عن كافة الصور والرموز الملكية والمأثورات الدينية المسيحية التي يحملها الدينار البيزنطي، وتعريب الدواوين من الفارسية إلى العربية، بالإضافة لقيامه بجهود كبيرة في العمارة والبناء، وأهمها أنه أول من وسع الحرم المكي الشريف.