بقلم - مشعل السديري
من المعروف أن بلاد العرب - خصوصاً الجزيرة العربية - كانت شحيحة بمواردها من الفواكه، ومن المستحيل أقول (الحلويات)، فقد يولد الإنسان في تلك البلاد ويشب ويهرم ويموت، بدون أن يتذوق طعم الحلاوة.
ومن أهم أصناف الحلوى التي تعلموا أكلها قديماً في شهر رمضان هي: (الفالوذج) - ناهيكم الآن عن (أم علي) و(عش البلبل) و(صوابع زينب) و(غزل البنات) و(زنود الست) - وجميعها (أدمنت) أنا في وقت سابق على أكلها، بل ولهطها كذلك - وتشير أخبار العرب إلى أن أول من عمل الفالوذ في بلاد العرب (عبد الله بن جدعان)، وكان سيداً شريفاً من مطعمي قريش، فقد وفد هذا القرشي على كسرى وأكل لديه الفالوذ، فابتاع من عنده غلاماً يحسن طبخها وقدم به إلى مكة فصنع الفالوذ ووضع موائده بالأبطح عند باب الكعبة ثم نادى: من أراد أن يأكل الفالوذ فليحضر.
واتفق أن حضر هذه الواقعة التاريخية الشاعر المعروف (أمية بن أبي الصلت) فسجل بأبياته أول وصف عربي للفالوذ أو الفالوذج وهو يمدح ابن جدعان فقال:
لكل قبيلة رأس هاد
وأنت الرأس تقدم كل هادي
له داع بمكة مشمعل
وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح من الشيزى ملاء
لباب البر يلبك بالشهاد
كان لابن جدعان جفان كبار يأكل منها القائم والراكب ويروى أن صبياً وقع في إحداها فغرق فيها من شدّة اتساعها، فضرب بها المثل في العظمة، وسمع الحسن البصري من يعيب الفالوذ فقال: إنه لباب البر، مخلوط بلعاب النحل بخالص السمن، ما عاب هذا مسلم قط، ثم تلا قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).
وثمة طرائف تناقلتها المصادر العربية تدور جميعها حول الفالوذج، منها أنه قيل لأبي الحارث: ما تقول في الفالوذج؟ فقال: وددت أن الموت والفالوذج اعتلجا في صدري إلى يوم القيامة! والله لو أن موسى لقي فرعون بفالوذج لآمن ولكن لقيه بعصا!!
ويقال إن أعرابياً جلس على مائدة (سليمان بن عبد الملك) الأموي فأتى بفالوذج فأخذ الأعرابي يأكل منه بشراهة، فقال سليمان: أتدري ما تأكل يا أعرابي؟ فقال بلى يا أمير المؤمنين، إني لأجد ريقاً هيناً ومزدرداً ليناً وأظنه الصراط المستقيم الذي ذكره الله في كتابه. فضحك سليمان وقال: أزيدك منه يا أعرابي؟ فإنهم يذكرون أنه يزيد في الدماغ، فرد عليه الأعرابي بكل براءة قائلاً: لا تصدق ذلك يا أمير المؤمنين، فلو كان الأمر كذلك لكان رأسك الآن أكبر من رأس البغل.