بقلم -مشعل السديري
وقع في يدي كتاب لعضو الهيئة المتقاعد أبو عبد الله (محمد الجدوع)، وهو بعنوان «أكثر من ستين سنة ذكريات».
وبحكم أن تلك الذكريات في الأيام الخوالي، ولا يعرفها أو حتى يتخيلها الغالبية العظمى من الأجيال المتعاقبة، وجدتُ أنها فرصة لأطرحها من دون أي (تزويق). يقول أبو عبد الله:
كثيراً ما يسألني أبنائي وغيرهم عن أشياء منها: كيف كنتم تقضون أوقاتكم وحياتكم عندما كنتم صغاراً، سواء من لعب وطعام وسكن ولباس ومراكب وغيرها؟!
واستجابةً لذلك سوف أحكي لهم عن التاريخ الغابر، بكل ما فيه من تعب وجوع وعري وجهل، لعلّهم يعتبرون ويستفيدون ويقارنون، بين تلك الفترة وبين ما هم فيه الآن فيشكرون الله ليزيدهم من فضله.
عندما كنت صغيراً وأزور عمّاتي كنّ يعطينني بعض النقود القليلة، مثل البيزه وربع ريال، فلما اجتمعتْ عندي تقريباً خمسة ريالات أعطيتها أبي وطلبته يشتري لي بها حذاء، فذهبنا بعد صلاة الجمعة إلى الخرّاز وهو الذي يخرز (قروب الماء) فأخذ مقاس قدمي وقال بعد أسبوع تجدونها، فلما لبستها فرحت بها كثيراً ولم يمضِ سوى جمعة حتى سُرقت، ولا أستبعد أن أحدهم قد (نظلني) – أي ضربني عيناً.
واللحم مثلاً لا نعرفه إلاّ في الأعياد، وإذا صادف أن أحدهم أقام وليمة، وكانوا أول ما يبدأون بتناوله من الطعام هو الشحم الذي يوزعه أحدهم على الحاضرين بالتساوي، وعادةً ما يبقى منهم شيء إلا القليل من الطعام، ثم نأتي نحن الشباب مسرعين فنأكل ما بقي منهم وما بقي من عظام فنكسرها ونأكل ما بداخلها، وهم لا يغسلون أيديهم بعد الطعام سواء بالماء أو بصابون (أم عنز) إلا القليل، والأكثر يمسحون أيديهم ببعض أكياس (الخيش)، أو يمسحون الدهن بلحاهم، ومن هنا جاءت مقولة: (يدّسم الشارب واللحية) – دلالةً على الكرم - وقد رأيت أبي يخيط أحد الشقوق في رجله بالإبرة والخيط.
أما الجراد فيتسلط علينا كل سنة في (الدلم) ويأكل الأخضر واليابس في مزارعنا، وبالمقابل ولكي لا نموت من الجوع نأكله هو مثلما أكل هو محاصيلنا، وألعن منه (الدبا) وهو أبناء الجراد، أما الأردأ من الجراد هو الذكر ويسمى (الزُّعير) وهو صغير الجسم، وإذا طُبخ يزداد انكماشاً، وأحسنه (المكن) وهي إناث الجراد ولونها رمادي حيث تحمل في بطنها مئات البيض فإذا طُبخ فهو لذيذ وأكله فيه فوائد طيبة، وسمعنا أن الجراد هو أول أمة تختفي من على الأرض، وذلك من علامات قرب الساعة، والله أعلم.