بقلم - مشعل السديري
هناك رجل ثري وكبير السن في مدينة الطائف بالسعودية، وتكالبت عليه الأمراض ولزم بيته في أغلب الأحيان، ولم تكن تقوم بخدمته والعناية به سوى عاملة إندونيسية شابة، استقدمها قبل سنة براتب شهري لا يتعدى ألف ريال.وحيث إن أبناءه من الذكور والإناث كلهم متزوجون، وكل منهم لاهٍ بحياته وعمله، بل إن زوجته (العودة) ضاقت به ذرعاً من كثرة طلباته، فهجرته وذهبت إلى بيت أكبر أبنائها.
وعندما لاحظ الرجل المريض العناية والرعاية التي تقوم بها له تلك العاملة بصمت، وحيث إنه رجل متدين ويتحّرج من تكشفه عليها عندما كانت تنظفه أحياناً، فما كان منه إلاّ أن يطلب من أعز أصدقائه أن يأتي له بشيخ ليعقد له عليها ويتزوجها ليريح ضميره لكي لا يقع بالإثم، وهذا ما حصل فعلاً.
وتشاء مشيئة الله أن يتوفى بعد ثلاثة أشهر من ذلك، وبعد الصلاة عليه ودفنه وانتهاء أيام العزاء، اجتمع الورثة لحصر الإرث وتوزيعه عليهم، وإذا بصديق ذلك الرجل يأتي إليهم فجأة، ويخبرهم بالنبأ الصاعق، قائلاً لهم: إن فلانة العاملة الإندونيسية، هي زوجته، ثم أخرج لهم عقد النكاح وتوقيع الشيخ والشهود، وسُقط في أيديهم، رغم أن بعضهم حاولوا الطعن في العقد، معتبرين أن والدهم كان مخرفاً، إلاّ أن القاضي بالمحكمة صدق على صحة الزواج.
وحضرت الزوجة الإندونيسية مع بقية الورثة إلى مبنى فرع مؤسسة النقد العربي السعودي بالطائف، وتم إيداع الإرث المالي في حسابات الورثة البنكية، إلاّ أنها أصرت على تسلم المبلغ الذي يخصها (20 مليون ريال) نقداً، وذلك من جهل المسكينة، وقالوا لها: إن كامل المبلغ لو أتوا به لها لن تستطيع حمله من ثقله، زيادة على أن الأنظمة العالمية تمنع ذلك، فوافقتهم على الإيداع.
وهكذا ربي رزقها من حيث لا تحتسب، حيث نزل عليها الرزق وهي لم تكمل الشهر الثامن من وصولها إلى السعودية.
المضحك في الأمر أن الورثة من شدّة حنقهم عليها، ما كان منهم إلا أن سفّروها من دون عودة، فشكرتهم وهي تبتسم وتقول: إنني متنازلة لكم أيضاً عن بقية راتبي هذا الشهر، ورفضت التذكرة السياحية التي قدموها لها، وحجزت وقطعت تذكرة (first class).
تخيلوا لو أنها عاشت مائة عام وهي تقبض راتباً شهرياً قدره ألف ريال، فلن تحصل في النهاية إلاّ على (1,200,000) ريال فقط، فكيف وقد غدا في حسابها بغمضة عين (20,000,000) ريال؟!
أرزاق، فعلاً أرزاق.