بقلم - مشعل السديري
لكي أبعث قليلاً من الأمل في النفوس هذه الأيام، اسمحوا لي أن أطرح تجربة أو ملحمة خاضتها منظمة الصحة العالمية بمشاركة الدول، بالقضاء على وباء من أخطر الأوبئة، ألا وهو «الجدري» الذي قضى على الملايين أو شوّههم أو أعماهم.قبل اكتشاف اللقاحات كان المرض ينتشر، وقد غيّر مسار التاريخ مرات عدة، وعندما حمله الغزاة الإسبان إلى العالم الجديد عام 1520 فتك في وقت قصير بـ3 ملايين ونصف مليون من الهنود الحمر، فساهم بذلك إلى حد كبير في انهيار حضارتي الإنكا والأزتيك، وكانت إبادة المرض لملايين أخرى من هنود أميركا الشمالية من العوامل المهمة التي مهّدت الطريق أمام انتشار الأوروبيين واستقرارهم فيها.
وهناك وصف لآثار هذا المرض الشديدة على المجتمع البريطاني في القرن السابع عشر؛ جاء فيه: كان الجدري آنئذ أفظع رسل الموت، فهو يملأ المدافن بالجثث في ساحات الكنائس.
وفي العام 1796، أوضح طبيب الأرياف الإنجليزي إدوارد جنينبر أن العدوى الخفيفة المكتسبة من الأبقار تحصن المصاب بمناعة تجاه الجدري، وهذا الاكتشاف كان أول الغيث، واستبدلوا ما يأخذونه من الأبقار، بما يأخذونه من الإنسان المصاب نفسه، وأصبح التلقيح إجبارياً، رغم أن القلائل فقط هم الذين يصدقون أن مرض الجدري أو أي مرض آخر يمكن القضاء عليه.
ويحكي مسؤول في منظمة الصحة قائلاً؛ لقد تعرضت فرق المراقبة التابعة لنا للخطف من جانب الثوار الذين احتجزوا أفرادها، كما تعرضت طائرات الهليكوبتر التي تحمل هذه الفرق لنار البنادق والقنابل، ما أسفرت عن قتل وجرح عدد من العاملين، لكن المشاركين في الحملة الأخيرة من الإثيوبيين وموظفي منظمة الصحة العالمية كانوا مصممين على بلوغ هدفهم، وفي شهر أغسطس (آب) 1976 سجلت آخر إصابة جدري معروفة في مخيم للقبائل الرحل في صحراء أوغادين، وبعدها تنفس العالم الصعداء.
ومنذ مايو (أيار) 1978 خصّصت منظمة الصحة العالمية جائزة مقدارها 1000 دولار أميركي لأي شخص يُبلغ عن إصابة حقيقية بالجدري، وعُمم هذا الإعلان في أنحاء العالم، وزُينت جدران المطارات والمستشفيات والمدارس وغيرها بملصقات عن هذه الجائزة. فوردت إلى مقر منظمة الصحة العالمية في جنيف بلاغات عن عدد كبير من الحالات المشتبه فيها، موزعة على القارات الخمس، وحُقق في كل من تلك الحالات، وأرسلت عينات منها إلى المختبرات لتحليلها، وجاءت نتائج التحاليل كلها سلبية.فيا أيها الأحباب، لا تقنطوا من رحمة الله، فهو تعالى قادر على أن يحيي العظام وهي رميم.