بقلم - مشعل السديري
فيلصادرة في شهر رمضان عام 1933 وجدت هذا الخبر:
صدر الأمر السامي بأن يكون الدوام في جميع الدوائر الحكومية، من الساعة الثالثة ليلاً، إلى الثامنة قبيل السحور، وذلك طوال شهر رمضان المبارك كما جرت العادة – انتهى الخبر.
وللتوضيح، لا بد من الإشارة إلى أن ذلك التوقيت كان يتم حسب التوقيت الغروبي لا الشمسي، وللتوضيح أكثر، فالثالثة ليلاً تعني التاسعة مساءً، والثامنة تعني الثالثة فجراً.
وقد استبدل ذلك التوقيت العجيب عام 1964 في عهد الملك فيصل، والمضحك أن بعض المتزمتين ضجوا وعارضوا، وكأن ذلك التغيير قد خالف العرف الإسلامي.
وقبل «كورونا» بأكثر من ألف سنة، كان لنا أيضاً تاريخ مشرّف بفرض حظر التجول، وأول من فرضه هو: الحجاج الثقفي، ولا شك أنه سابق لعصره بالفعل، وجاء في الأخبار أنه لما تولى شؤون العراق أمر مرؤوسه أن يطوف بالليل، فمن وجده بعد العشاء ضرب عنقه، فطاف ليلة فوجد ثلاثة صبيان فأحاط بهم وسألهم: من أنتم حتى خالفتم أوامر الحجاج؟ فقال
- الأول:
أنا ابن الذي دانت الرقاب له بين مخزومها وهاشمها
تأتي إليه الرقاب صاغرة يأخذ من مالها ومن دمها
فأمسك عن قتله، وقال: لعله من أقارب الحجاج.
- وقال الثاني:
أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره وإن نزلت يوماً فسوف تعود
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره فمنهم قيام حولها وقعود
فتأخر عن قتله، وقال: لعله ابن أجود العرب.
- وقال الثالث:
أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه وقوّمها بالسيف حتى استقامت
ركاباه لا تنفك رجلاه عنهما إذا الخيل في يوم الكريهة ولّت
فترك قتله وقال: لعله بن أشجع العرب.
فلما أصبح رفع أمرهم إلى الحجاج، فأحضرهم وكشف عن حالهم، فإذا الأول: ابن حجام، والثاني: ابن فوَّال، والثالث: ابن حائك، فتعجب الحجاج من فصاحتهم وقال لجلسائه: علّموا أولادكم الأدب، فلولا فصاحتهم لضربت أعناقهم، ثم أنشد الحجاج قائلاً:
كن ابن من شئت واكتسب أدباً يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول هاأنذا ليس الفتى من يقول كان أبي
هذا كان قبل ذلك التسجيل المصرقع الذي يكاد يخرق طبلة الأذن، كلما اتصلت على رقم بتليفوني المحمول يأتيني الصوت قائلاً: خلّك بالبيت، خلك بخير، وما إن أسمع ذلك الأمر التحذيري، حتى ترتعد فرائصي خوفاً وأسارع إلى إغلاق الخط قبل أن تبدأ مكالمتي.