بقلم - مشعل السديري
ليست دول العالم الثالث هي وحدها التي فيها التسيب والغفلة والضحك على الذقون، بل إن دول العالم الأول قد يحدث فيها ذلك، وهذه حادثة قرأتها، وأتمنى أن تشاركوني في الإعجاب ببطلها الذي استفاد من دون أن يؤذي أحداً، وخرج وانسل منها في النهاية مثلما تنسل الشعرة من العجين. والحكاية وما فيها يا سادتي...
إنه خارج حديقة حيوان (بريستول) توجد ساحة لوقوف السيارات تتسع لـ150 سيارة و8 حافلات، ودائماً هي (فُل) – أي مكتملة العدد - من كثرة ما يتقاطر عليها الزوار، وعلى مدى 25 عاماً كان يدير هذه المواقف رجل لطيف يقوم بتحصيل الرسوم (1.40 جنيه إسترليني) عن كل سيارة و(7 جنيهات) عن الحافلة، وكان يحافظ عليها من أي سرقة أو تعدٍ، وكثيراً ما نفحوه أصحابها (بخشيشاً) على أمانته.
وفي أحد الأيام بعد 25 عاماً كاملة من العمل المتواصل بدون تسجيل حالة غياب واحدة لم يعد مراقب المواقف يحضر للعمل، لذا اتصلت إدارة حديقة الحيوان بالبلدية تطلب إرسال موظف آخر لإدارة ساحة المواقف.
وبعد بحث ردت البلدية بأن ساحة المواقف هي من مسؤولية حديقة الحيوان، فعادت حديقة الحيوان تسأل.
ولكن الموظف الذي كان يدير المواقف هو من موظفي البلدية!! غير أن البلدية ردت مرة أخرى بأنه لا توجد في سجلاتها وظيفة بمسمّى مراقب مواقف لحديقة الحيوان!!
وفي هذه الأثناء على ما يبدو فإن بطل القصة يجلس الآن في فيلته على سواحل إسبانيا أو جنوب فرنسا أو إيطاليا، بعد أن ركب على مدى ربع قرن نظاماً خاصاً به لتحصيل الرسوم، وبدأ بالمداومة يومياً في ساحة المواقف لتسلم هذه الرسوم من زوار الحديقة، بما معدله 560 جنيهاً في اليوم لمدة 25 سنة، وبحساب 7 أيام في الأسبوع يكون هذا الرجل اللطيف قد حصل على ما يتجاوز 7 ملايين جنيه إسترليني.
والطريف أن لا أحد يعرف اسمه الحقيقي!! وفي استطلاع وثّقته الصحيفة التي نشرته، أبدى كل من سألتهم من أصحاب السيارات والحافلات إعجابهم به وبحسن تعامله، كما أن لإدارة الحديقة مواقف حميدة معه، فقبل 5 أعوام أقاموا له حفلة تكريم على مرور 20 عاماً على بداية عمله معهم، ومنحوه مكافأة مادية، مرفقة بشهادة شكر.
ولا أدري بماذا أصف ذلك الرجل، هل هو لص محترف، أم أنه من تلاميذ (أرسين لوبين)؟! الشيء المؤكد أنني أرفع له شماغي وعقالي كمان.