بقلم - مشعل السديري
قرأت ما كتبه أحد الأوروبيين في مذكراته، التي جاء فيها:
الـتأم شمل صفنا الذي تخرج في المدرسة الثانوية قبل أربعين عاماً، بفضل أحد الأصدقاء، وفي ركن من القاعة رأيت امرأة رمادية الشعر، وبعد التمعن بها طويلاً عرفت أنها الفتاة التي أحببتها سراً وهي في السابعة عشرة من عمرها، وتذكرت أني ذات مرة، استجمعت جرأتي لأطلب منها موعداً، فاكتفت بقولها: سأجيبك لاحقاً.
ولم ألبث أن التحقت بالخدمة العسكرية في الحرب العالمية الثانية، ثم انتقلت إلى ولاية أخرى ولم أسمع خبراً عن الفتاة منذ ذلك الحين، إلى أن كان لقاؤنا الأخير.
استجمعت شجاعتي وتقدمت منها وذكرتها بالحادث، ثم سألتها: أتحددين لي موعداً الآن؟!، فسرحت بخيالها صامتة لمدة دقيقة ثم قالت دونما تردد: أما قلت لك إني سأجيبك لاحقاً؟! - انتهى.
والحلاوة في ذلك (الأحد) مع صاحبة الشعر الرمادي أنهما تزوجا فعلاً ووفت هي بوعدها، طبعاً دون أن يخلّفا صبياناً وبنات، وهذا أبرك لهما، فالخلفة في هذه الأيام لا تشبه لعبة (الشطرنج)، ولكنها تشبه لعبة (الروليت الروسي).
وما دمنا بصدد الزمن وأثره على الملامح، فلا شك أنكم تلاحظون سطوته على أقرانكم ومن كانوا من جيلكم، خصوصاً إذا باعدت بينهم وبينكم الأعوام وقابلتموهم صدفة، سوف يقول كل واحد منكما بينه وبين نفسه: يا الله كم تغيرت وتكرمشت ملامحه، وكم عثى به الزمان وأصبح شكله كالقرد العجوز معتقداً هو أنه في مأمن وأنه لم يتغير، في الوقت الذي يكون فيه ذلك الشخص الآخر يحدّث نفسه بالشعور نفسه، والسبب لأن كل واحد منا يشاهد وجهه (العكر) بالمرآة في اليوم الواحد عدّة مرات، لهذا لا يشعر بالفرق، ومن أراد منكم أن يتأكد من صدق كلامي فما عليه إلّا أن يتجنب النظر في أي مرآة لمدّة عشرة أعوام كاملة، وبعدها يشاهد وجهه المليح في المرآة لكي يصعق.
أعود للوفاء وأقول إنه أجمل صفة، وكذلك هو من أجمل الأسماء غير الحسنى من وجهة نظري، وهناك احتمال شبه مؤكد أن من يحملنه من النساء هن صارخات الجمال بشراسة، وبعضهن سايقات الدلال بغباء، وبعضهن على رؤوسهن ريشات وليس ريشة واحدة من شدّة الغرور (والشفتشي)، ومع ذلك أقول لكل (الوفيات): إن معكن كامل الحق، وتستاهلن كامل الاحترام وبعض التقدير، وإن شاء الله ستتحرر فلسطين على زنودكن.
ولا أستبعد أن المرأة التي اخترعت أكلتي المفضلة حلاوة (زنود الست) اسمها وفاء.