بقلم - مشعل السديري
في الليلة البارحة كنت حاضراً لمناقشة حامية الوطيس بين اثنين، وموضوع المناقشة حول العلم التركي الذي يحمل الهلال والنجمة، وكان الأول لا يحبذ هذا الشعار من دون أن يملك حجة بالأسباب لذلك، اللهم إلّا لأنه لا يستسيغ مواقف تركيا، وهو بعكس الثاني الذي يرى أن الهلال يمثل الإسلام، واستدل بقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس)، وعن النجمة ما قاله المولى: (والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق، النجم الثاقب).
لم أتدخل أو أشارك بالمناقشة، لأن الشخص الثاني أرهبني بحماسه الزائد وصوته العالي ونظراته التي تقدح شرراً، لهذا لم أستمر معهما طويلاً، وآثرت الانسحاب بهدوء.
وفي هذا الصباح استجمعت قواي العقلية وبعض معلوماتي المتواضعة، وتأكد لي بالدليل القاطع أن الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة والخلفاء لم يتخذوا الهلال كرمز إسلامي، ولم يضعوه على راياتهم، وأول من اخترع هذا الشعار الدولة العثمانية، وتبعتها في ذلك بعض البلاد التي استعمرتها.
والهلال قديماً ارتبط بالقسطنطينية إلى زمن المقدوني، وكان أيضاً ضمن شعارات الفرس والتتار، وزعيم التتار قد وضع هلالاً زنته عدة أرطال فوق قصره، وفي العصر الإسلامي أهدى السلطان السلجوقي إلى أرطغول مؤسس الدولة العثمانية علماً أبيض يعلوه هلال، ولذلك صار العثمانيون يرسمون فوق أعلامهم الهلال، ولما فتحوا القسطنطينية أضافوا النجمة للهلال.
أما بالنسبة للنجمة نجد أنها ترمز إلى إحدى المعبودات في الديانات القديمة وتمثل كوكب الصبح (الزهرة) وهي في حقيقتها رمز وثني يدل على عبادة الطبيعة، وقد عبدها العرب في الجاهلية باسم (العُزّى) وكان الكلدانيون يعبدونها باسم (عشتروت) واليونان والرومان باسم (فينوس).
وقد سمّاها المنجّمون (السعد الأصغر)، وأضافوا لها الطرب والسرور واللهو، ويرون أنها هي التي أغوت الملكين هاروت وماروت بجمالها.
كما أن الهلال من الشعارات والأسماء السرية التي طرحت من قبل الماسونية، مثلما أشار المؤرخ الراحل جورجي زيدان في كتاب تاريخ الماسونية العام، ويرى الكثير من علماء الدين أنه شعار مرفوض ولا يجب العمل به، نظراً لأصوله التي تدل على عبادة الوثن، وأنه يجب عدم الوقوع في مثل هذه الضلالة، ولكن ومع هذا ما زال رمز الهلال يوضع على مآذن المساجد.
ومنذ عهد الرسول الكريم إلى ما قبل الدولة العثمانية لم يكن هناك مسجد واحد في العالم كله عليه هلال.
والوحيد الذي أزال الهلال من منارة المسجد، هو المرحوم الأمير عبد الرحمن بن سعود، ووضع مكانه لفظ الجلالة: (الله).