بقلم - مشعل السديري
هناك ناس لديهم (فوبيا) أو خوف من الأماكن الضيقة والمغلقة -خصوصاً من (المصاعد)- في العمائر المتعددة الأدوار، وقد استغلت بعض مواقع التواصل الاجتماعي ذلك، ويطبق الآن برنامج (مقالب) تلفزيوني في البرازيل.
ويصور مقطع الفيديو عدداً من الأشخاص يستقلون المصعد، لينقطع فجأة التيار الكهربائي، وتظهر بالتزامن مع تلك المأساة فتاة صغيرة برداء أبيض وشعر أشعث تحتضن دمية.
وقد سبق لي أن مررت بما يشبه هذا الموقف، ليس بمقلب تمثيلي، ولكن بورطة حقيقية مرعبة -الله لا يعيدها. ومن بعدها، أصابتني تلك (الفوبيا)، أو الخوف من ركوب المصاعد. وأحاول بقدر ما أستطيع ألا أذهب إلى زيارة أي قريب أو صديق أو مكتب عمل يقع في الطابق الحادي عشر فما فوق، وهو الذي يتطلب الوصول إليه ركوب المصعد. أما إذا كانت هذه الأماكن تقع في الطابق العاشر وما تحت، فإنني أصعد لها بدرج السلالم، معتبراً ذلك من رياضاتي اليومية.
ولو سألتموني عن سبب عقدتي، فهي حصلت في الرياض قبل سنوات خلت، عندما ذهبت ظهراً لدائرة حكومية للمراجعة، وركبت المصعد مع مجموعة زادت عن تسعة أشخاص، وانحشرنا فيه كالساردين، وقبل أن نصل إلى الطابق الرابع، انطفأت الكهرباء وغدونا في ظلام دامس، وساد الهرج والمرج والتخبيط والصياح، ومخاطبة الذين هم في الخارج لنجدتنا باستدعاء المهندس، وكل واحد منهم يعدنا خيراً ثم يذهب ولا يعود، وأخذ العرق يتصبب من الجميع، والأنفاس تكاد أن تنقطع، وفوجئت بمن كان بجانبي يخرج من جيبه سيجاره يريد أن يشعلها، فما كان مني إلا أن أنتشها من بين براطمه وأفرفطها، وراعني أكثر ذلك الشيخ السمين بـ(بشته الأبيض) وهو يطلب منا الاستغفار ويذكرنا بهادم اللذات، كأننا على شفى حفرة من الموت، وكدت أقول له: (فال الله ولا فالك).
والذي زاد الطين بلة أن أحد الذين بالخارج قال لنا إن المهندس يصلي مع الجماعة في قاعة الصلاة، وحال الانتهاء سوف نستدعيه.
هذا السجن غير (الحشمة) استمر ما يقارب نصف ساعة مرت علينا كأنها دهر، وفعلاً ما إن جاء المهندس وحل المشكلة وانفتح الباب، حتى كان الشيخ السمين هو أول من خرج يرثع، أما أنا فبدلاً من أن أصعد للطابق الرابع، هرولت نازلاً من الدرج، كأن عمراً جديداً قد انكتب لي، ولم يردني غير باب الخروج للذهاب ركضاً إلى سيارتي، وتركت مراجعتي التي أتيت من أجلها، مردداً بيني وبين نفسي: (بالهاوي والذيب العاوي).