بقلم - مشعل السديري
إخواننا في مصر نسجوا حول الشخصية التاريخية (قراقوش) الأساطير، وأصبح مضرب الأمثال بإصدار الأحكام غير المعقولة، وتناقضت فيه الأقوال، فبعضهم يصفه بالذكاء وآخرون بالغباء، وبعضهم بالجبروت وآخرون بالعدل.
ولكننا لو أردنا أن نكون منصفين أكثر فالرجل كان في مرحلة تاريخية مسؤولاً له (شنّة ورنّة) –أي بمعنى أنه كان الساعد الأيمن لصلاح الدين الأيوبي في توطيد حكمه، وهو ليس شخصية خيالية كأشعب أو جحا مثلاً.
ولكنّ المؤرخ (ابن مماتي)، وهو منافسه للتقرب من حاكم مصر، هو الذي ألّف كتاباً عنه، يريد فيه أن يسخر منه ويحطّ من شأن قواه العقلية، وذلك في مؤلَّفه المعروف: (الفاشوش في حكم قراقوش).
ويقال إن الصراع بين الاثنين كان هو وراء هذا الكتاب، وحيث إن الأول كان يمثل سلطة القلم في حين أن الثاني كان يعكس تسلط السيف، وقد تنافس الاثنان على أيهما أكثر نفوذاً.
ويُنسب إلى قراقوش أنه قام بدور تاريخي في إنهاء سطوة أسرة العاضد، حيث سجنهم وعزل نساءهم عن رجالهم، وفرّق عنهم مواليهم، وسيطر على ثروة القصر الفاطمي التي كانت كبيرة جداً.
ويُنسب إليه أيضاً أنه بنى السور المحيط بالقاهرة وقلعة الجبل وقناطر الجيزة، وقد كان نائباً لصلاح الدين في شؤون الحكم.
وجاء في كتاب ابن مماتي أحكام نسبها إلى قراقوش، لا تستقيم مع أي منطق، ومنها على سبيل المثال:
شكا رجل إلى قراقوش أن تاجراً أكل عليه أمواله فاستدعى التاجر وسأله عن السبب فقال التاجر: ماذا أفعل له أيها الأمير؟ فكلما وفّرت له الأموال لأسدّد له دَينه بحثت عنه فلم أجده. وفكّر قراقوش كعادته ثم حكم بأن يسجن الرجل صاحب الدين حتى يعرف المدين مكانه، حين يريد تسديد الدين له، عندها تنازل الرجل وهو يقول: أجري على الله.
وحادثة أخرى ورد فيها: جاء فلاح يشكو جندياً إلى قراقوش وكان الفلاح يركب سفينة ومعه زوجته الحامل في سبعة أشهر، فوكزها الجندي غير قاصد فأُجهضت. وفكر قراقوش كعادته ثم نطق بالحكم، بأن ينفق الجندي على زوجة الفلاح ويوفر لها البيت والمأكل طيلة سبعة أشهر، وهو ما أسعد الفلاح قبل أن ينطق قراقوش بباقي الحكم: بأن على الجندي كذلك أن يعيد له الزوجة مثلما كانت وهي حبلى في شهرها السابع. وهنا هرب الفلاح بزوجته، قائلاً بينه وبين نفسه: عوضي عليك يا كريم.
ما أكثر الفاشوش الذي كُتب بواسطته تاريخنا العربي والإسلامي، (فحدّثوا ولا حرج).