بقلم : مشعل السديري
قال مسلمة بن عبد الملك لهشام بن عبد الملك، كيف تطمع في الخلافة وأنت بخيل وأنت جبان؟ ردّ عليه: لأني حليم وإني عفيف.
كما قال ابن الضحّاك الفهري لهشام بن عبد الملك قبل أن يملك، وهو يومئذ غلام شاب: يا ابن الخلائف، لم تطيل شعرك وقميصك؟ قال: أكره أن أكون كما قال الشاعر: «قصير القميص فاحش عند بيته ... وشر غراس في قريش مركبا».
وسبق أن جادل أعرابي هشام، فقال هشام: أتجادلني وأنا الخليفة؟ قال الرجل: يقول تعالى: «يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها»، أنجادل الله ولا نجادلك (!!)، فصمت هشام ولم يحر جواباً.
وحضر أعرابي سُفرة هشام بن عبد الملك، فبينما هو يأكل إذ تعلَّقت شعرة في لقمة الأعرابي، فقال له هشام: عندك شعرة في لُقمتك يا أعرابي! فقال: وإنك لتلاحظني ملاحظة من يرى الشعرة في لُقمتي! والله لا أكلتُ عندك أبداً! وخرج وهو يقول: «وللموت خير من زيارة باخل ... يُلاحظُ أطراف الأكيل على عمد».
وقد وفد عروة بن أذينة على هشام بن عبد الملك، فشكا له فقره، فقال: ألست القائل:
لقد علمت وما الإسراف من خلقي
أنَّ الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إليه فيعييني تطلبّه
وإن قعدت أتاني ليس يعييني
فقال: يا أمير المؤمنين، وعظت فأبلغت، وخرج وركب ناقته وكر إلى الحجاز راجعاً، فلما كان الليل نام هشام على فراشه فذكر عروة، وقال: رجل من قريش قال حكمة ووفد علي فرددته خائباً، فلما أصبح وجّه إليه بألف دينار فقرع عليه الرسول باب داره بالمدينة فأعطاه المال فقال: أبلغ عني أمير المؤمنين السلام، وقل له: كيف رأيت قولي، سعيت فأكديت فرجعت خائباً، فجلست في داري فأتاني رزقي في منزلي.
يا ليت حظي أنا يا مشعل، مثل حظ عروة، أنتظر في منزلي لا شغلة ولا مشغلة لي، غير أن أجلس واضعاً رجلاً فوق رجل، إلى أن يأتيني رزقي «بارداً مبرّداً»، ولكن خذوها مني وأنا الفقير إلى رحمته تعالى:
إنَّ أمراء المؤمنين عبر التاريخ وإلى أن (ينفخ بالصور)، لهم ما لهم، وعليهم كذلك ما عليهم، هل تعلمون لماذا؟! لأنّهم بشر يحبون وقد يكرهون، ويصدقون وقد يكذبون، ويتعلقون بالحياة إلى الرمق الأخير، غير أن الموت لا ينساهم أبداً، فهو على الدوام واقف لهم ولغيرهم بالمرصاد، والمحظوظ من الناس من كانت حسناته أكثر من سيئاته، ساعتها يحق له أن يفرح و(يطق إصبع) كذلك.