بقلم: مشعل السديري
اسمحوا لي أن ألقي الضوء قليلاً على بعض (أمراء المؤمنين) - في عدة حلقات كل يوم ثلاثاء.
دخل الأحنف بن قيس على (معاوية بن أبي سفيان)، فأشار إلى الوساد، فجلس على الأرض، فسأله: وما منعك من الجلوس على الوسادة، فقال: يا أمير المؤمنين، إن فيما أوصى به قيس بن عاصم المنقري، ولده، أن قال: «لا تغش السلطان حتى يملك، ولا تقطعه حتى ينساك، ولا تجلس له على فراش ولا وساد، واجعل بينك وبينه مجلس رجل أو رجلين، فإنه عسى أن يأتي من هو أولى بذلك المجلس منك فتقام له، فيكون قيامك زيادة له، ونقصاناً عليك». حسبي بهذا المجلس يا أمير المؤمنين، لعله أن يأتي من هو أولى بذلك المجلس مني. فقال معاوية: لقد أوتيتم يا تميم الحكمة، مع رقة الحواشي - ويا ليت معاوية أكملها وقال: مع أصول (الإتيكيت) أيضاً.
ثم عدد معاوية على الأحنف ذنوباً، فقال: يا أمير المؤمنين، لم ترد الأمور على أعقابها، أما والله إن القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها على عواتقنا، ولئن مددت فتراً من غدر لنمدن باعاً من ختر، ولئن شئت لنستصفين كدر قلوبنا بصفو حلمك. تبسم معاوية ورد عليه قائلاً: سأفعل.
وقيل إن أعرابياً دخل يوماً على معاوية وقال: أعني يا أمير المؤمنين على بناء داري، فسأله: وأين دارك؟! فقال: في البصرة وهي أكثر من فرسخين في فرسخين، فضحك معاوية قائلاً: إنني لا أعلم هل دارك في البصرة أم أن البصرة هي التي في دارك؟! وأمر ببناء داره.
كان يزيد بن معاوية يؤثر الشاعر (مسكين الدارمي)، ويصله ويقوم بحوائجه عند أبيه، فلما أراد معاوية البيعة ليزيد تهيب ذلك وخاف ألا يمالئه عليه الناس، فأمر يزيدُ مسكيناً أن يقول أبياتاً وينشدها أمام معاوية في مجلسه إذا كان حافلاً، فلما اتفق دخل مسكين إليه وبنو أمية حواليه، وأنشأ يقول:
إن أُدع مسكيناً فإني ابن معشر من الناس أحمي عنهم وأذود
إليك أمير المؤمنين رحلتها تثير القطا ليلاً وهن هجود
بني خلفاء الله مهلاً فإنما يبوئها الرحمن حيث يريد
إذا المنبر الغربي خلاه ربه فإن أمير المؤمنين يزيد
فقال له معاوية: ننظر فيما قلت يا مسكين، ونستخير الله، قال: ولم يتكلم أحد من بني أمية في ذلك إلا بالإقرار والموافقة، ثم وصله يزيد ووصله معاوية فأجزلا صلته.
يتبع.