بقلم: مشعل السديري
وجّه عبد الملك بن مروان عامر الشعيبي إلى ملك الروم في بعض الأمر له، فاستكثر الشعيبي فقال له: من أهل البيت أنت؟!، رد عليه: لا.
فلما أراد الرجوع إلى عبد الملك ناداه وحمّله رقعة لطيفة وقال: إذا رجعت إلى صاحبك، فأبلغته جميع ما يحتاج إلى معرفته من ناحيتنا، فادفع إليه هذه الرقعة، فلما صار الشعيبي إلى عبد الملك ذكر ما احتاج إلى ذكره ونهض من عنده، فلما ذكر الرقعة، فرجع فقال: يا أمير المؤمنين، إنه حمّلني إليك رقعة نسيتها حتى خرجت، وكانت آخر ما حمّلني فدفعها إليه ونهض.
فقرأها عبد الملك فأمر بردّه، وسأله: أعلمت ما في هذه الرقعة؟!، قال: لا، قال: فإنه قال فيها: وعجبت من العرب كيف ملّكت غير هذا؟، أفتدري لم كتب إلي بمثل هذا؟، قال: لا، فرد عليه حسدني عليك، فأراد أن يغريني بقتلك، فقال الشعيبي: لو كان رآك يا أمير المؤمنين ما استكثرني، فبلغ ذلك ملك الروم، ففكّر في عبد الملك، فقال: لله أبوه، والله ما أردت إلا ذلك.
وعن الأصمعي أيضاً عن أبيه قال: أتى عبد الملك برجل كان مع بعض من خرج عليه، فقال: اضربوا عنقه، فقال: أمير المؤمنين، ما كان هذا جزائي منك، فسأله: وما جزاؤك؟!، قال: والله ما خرجت مع فلان إلا بالنظر لك، وذلك أني رجل مشؤوم، ما كنت مع رجل قط إلا غلب وهزم، وقد بان لك صحة ما ادّعيت، وكنت لك خيراً من مائة ألف معك، فضحك وخلّى سبيله.
ودخلت عجوز على عبد الملك وشكت له سوء الحال فقال لها كم تحتاجين يا أخت العرب؟، فقالت: يكفيني مائة دينار، فأمر لها بألف دينار، فلما انصرفت قيل له إنها لم تطلب سوى مائة، فقال إنما سألت على قدرها فأعطيتها على قدرنا.
وقيل لعبد الملك: عجل عليك الشيب يا أمير المؤمنين، قال: وكيف لا يعجل عليّ وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين، يعني خطبة الجمعة وبعض ما يعرض من الأمور.
كما قال عبد الملك على المنبر: ألا تنصفوننا يا معشر الرعية؟ تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر ولم تسيروا في أنفسكم ولا فينا بسيرة رعية أبي بكر وعمر، أسأل الله أن يعين كلاً على حاله.
إنني شخصياً أعتبر عبد الملك بن مروان من أفضل وأذكى وأشجع أمراء المؤمنين من (بني أميّة).