بقلم : مشعل السديري
وقعت في يدي رسالة مؤرخة في 12/10/1381 هجرياً، وهي موجهة لقاضي بلدة (القويعية) بالمنطقة الوسطى في السعودية، وجاء فيها:
الموجب لتحريره هو تنبيه فضيلتكم إلى ما حدث هذه الأيام في هذه البلدة من وسيلة خبيثة لتفشي الشر والفساد في هذه البلاد وهو وجود الآلة الخبيثة اللعينة التي تسمى (مسجلاً) فقد استورده المدعو (.....) وجعله في نخله يعكف عليه الشباب والسفهاء حتى السابعة ليلاً، والعجيب في ذلك أن هذه الملهاة ممنوع استعمالها في الرياض منعاً كلياً ولا تستعمل إلا في خفية شديدة وفي هذه البلدة يستعملها هذا الرجل علناً، ويدعو إليها الشعراء ليسجلوا أشعارها الحربية والعرضة والسامري وأنواع الأغاني القبيحة، يا فضيلة الشيخ إنني أعرف هذه البلدة منذ أكثر من عشر سنوات وقد كانوا ينفرون من (الراديو) نفور الغنم من الذئب، والآن أخذ الشر يتفاقم حتى ألغوا السجل الذي ليس فيه أدنى فائدة سوى اللهو والاجتماعات التي قد تؤدي إلى ما هو أشر من ذلك.
سؤالي لصاحب الرسالة إذا كان ما زال على قيد الحياة: إذا كان القوم في ذلك الوقت ينفرون من الراديو (نفور الغنم من الذئب)، فبأي صفة سوف يتغردون بها لو كانوا موجودين هذه الأيام، وأمامهم السينما والتلفزيون والجوال و(التيك توك) ويا قلبي لا تحزن؟!
**
في إحدى الدول العربية التي ضربتها الجائحة الاقتصادية من سوء السياسة الخاطئة التي عصفت بالبلاد، لهذا أخذت العملة النقدية تتآكل، وارتفعت الأسعار، وتفشت البطالة، تفتحت قريحة أحد الخبثاء بهذه الحيلة التي لم يسبقه إليها شيطان:
فقد لصق صورة والده على سيارة النقل التي يملكها، وملأ حوض السيارة بعدد وفير من الخبز، وذهب إلى أحد الأحياء السكنية، وأخذ ينادي بواسطة الميكرفون، عارضاً الخبز لمن يريد أخذه ببلاش، مع دعائهم لروح والده المرحوم، فتهافت الناس على (الخبز وخلال دقائق غدا حوض السيارة قاعاً صفصفاً لم يبقَ فيه خبزة واحدة، وعلت صيحاتهم ترحماً على أبيه).
وفي اليوم الثالث طلب من أهالي الحي أن يحضروا أسطوانات الغاز حتى يملأها مجاناً صدقة على روح المرحوم حتى يرتاح بقبره.
فرح أهل الحي وأعطوه أسطوانات الغاز الفارغة وبالفعل حمّل السيارة بأسطوانات فاضية ولحد الآن أهالي الحي بيترحموا على أسطوانات الغاز ويشتموا المرحوم.
**
هل صحيح: أن من يعيش بلا جنون، ليس بعاقل كما يظن؟! – (أبصم بالعشرة أنه صحيح