بقلم - حسن المستكاوي
** عندما توفى الملك جورج السادس فى فبراير عام 1952 كانت كرة القدم هى الرياضة الوحيدة التى لم يتم إلغاؤها فاستمرت المباريات، على أن تبدأ بدقيقة صمت، ثم يعزف النشيد الوطنى، ويطلق الحكم صفارته، وتدور رحى اللعب. وفور إعلان نبأ رحيل الملكة اليزابيث الثانية، سأل الصحفى الإنجليزى شون أنجل متابعيه على حسابه فى تويتر: «مارأيكم هل يستمر النشاط الرياضى بصفة عامة ومباريات كرة القدم بصفة خاصة؟
أجاب 90 % من المشاركين بالإيجاب، وبأن النشاط الرياضى يجب أن يستمر. ويقول شون أنجل إن مثل تلك الاسئلة والاستطلاعات على تويتر لا تعبر عن المزاج العام للجمهور ولكل الشعب. ففى الواقع كانت بريطانيا كلها تعيش حالة حزن لرحيل الملكة، وكانت وفاتها فى الواقع حدثا كونيا، وظل كذلك على مدى 11 يوما منذ إعلان نبأ رحيلها حتى رحلتها الأخيرة إلى وندسور.
** الجانب الإنسانى فى حياة الملكة اليزابيث تحول إلى برنامج تليفزيونى على مدى الساعة تقريبا بكل لغات العالم فى المحطات الإخبارية الكبرى، ويكتشف ناس كم كانت هى رقيقة وخفيفة الظل، وصاحبة ابتسامة آسرة، وعين زرقاء جميلة. وكم كانت ملكة متواضعة تمارس دورها الاجتماعى والوطنى فى دأب واحترام للتاج الذى زين رأسها على مدى 70 عاما، وكم كانت أما وجدة حنونة تحمل مشاكل الابناء والأحفاد على كتفيها فى صمت؟
** كانت وفاة الملكة اليزابيث الثانية عرضا شيقا ودراميا للتقاليد البريطانية، عامرا بالتفاصيل، وأفضل دراما هى تلك التى تعنى بالتفاصيل، وقد قيل إن تفاصيل مراسم وداع الملكة، وضعتها اليزابيث بنفسها، بما فى ذلك أشكال وأنواع باقات الزهور التى تزين مراحل الوداع المختلفة والتى دفعت فوق النعش المصنوع من شجر البلوط والمبطن بالرصاص، لحفظ الجثمان نسبيا حتى الدفن، وقد صنع للملكة خصيصا قبل 25 عاما.
** عندما توفى والدها الملك جورج السادس لم يكن التليفزيون، هذا الصندوق الساحر بنفس حجم انتشاره الآن، ولم يكن العالم قرية كبيرة كما هو حاله الآن. وعلى الرغم من عرض بعض هذه التقاليد الملكية عند وفاة الأميرة ديانا، والأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث، ومنذ وفاة والدتها الملكة إليزابيث أنجيلا مارجريت باوز ليون. فقد كان رحيل اليزابيث الثانية التى عاشت 70 عاما من عمرها فوق عرش بريطانيا، ورمزا للأمة، وملكة متوجة على 12 دولة، كان رحيلها مدويا ومؤثرا، وكانت مراسم ومواكب وداعها جاذبة لأنظار مختلف شعوب العالم بمختلف ثقافتهم، وهناك شعور بالفخر فى صفوف الشعب بالحفاظ على تلك التقاليد لمئات السنين. مثل فريق حاملى النعش وهم من حُراس جرينادير، فريق المشاة الذى يؤدى المراسم الاحتفالية للملكة، وكذلك هناك الحرس الملكى وألوان وأزياء الجنود أصحاب القبعات السوداء، وفرسان يمثلون أبرز قوات الجيش البريطانى، وقد صحب الملكة فى كل مرحلة، قوات وحرس ملكى مختلف، والحرس الملكى من فيلق السادة المحترمين فى السلاح، ورجال الحرس الملكى البريطانى الرسمى، وفرقة الرماة الملكية. والصولجان، والتاج الإمبراطورى، وتفاصيل لا تحصى فى مراسم دفن الملكة.. من قصر باكينجهام إلى قلعة وندسور.
** شارك فى مراسم وداع الملكة اليزابيث عشرات الرؤساء والزعماء والشخصيات العامة، وسط إجراءات أمن صارمة ومع ذلك لم يشعر بها أحد، وتوقف الكثيرون عند نجم الكرة الإنجليزية دافيد بيكهام الذى ظل فى طابور النظرة الأخيرة على الملكة لمدة 12 ساعة، وقد هربت منه دموعه، وقال بيكهام عبر حسابه على إنستجرام: «ملكتنا هى الوطن، واليوم قلنا وداعا أخيرا لصاحبة الجلالة، هذا الاسبوع كان العالم كله حزينا على فقدان قائدة فريدة وملهمة ومهتمة».