بقلم - حسن المستكاوي
** كتب الدكتور صلاح الغزالى حرب فى المصرى اليوم مقالا بعنوان «عن الإهمال فى المعادى..» ووصف الضاحية، بأنها من أرقى المناطق السكنية فى القاهرة، وأنشئت فى عهد الخديو إسماعيل وبناها الضابط الكندى ألكسندر أدامز الذى اشترى 1403 أفدنة مؤسسا المعادى. والمقال يتناول ما جرى للمعادى فى السنوات الخمسين الماضية. وبما أننى من قدماء المعادى، وهو ما يعادل قدماء المصريين على مستوى الدولة، أضيف أن المعادى كانت، هى الهدوء، والخصوصية، والحدائق وروائح الفل والياسمين، وأشجار المانجو الباسقة فى حديقة كل فيلا، وأشجار الليمون والبرتقال على أرصفتها. وكانت حدودها بين نهر النيل وحتى شريط السكة الحديد الذى يليه صحراء ممتدة حتى السويس والعين السخنة.
** المعادى تأسست بطابع خاص. وربما تفرد سكان المعادى القدماء بأنهم كانوا يعتبرون الذهاب للقاهرة سفرا إلى مصر، وجملتهم الشهيرة: «هاننزل مصر» ولو كان النزول لزيارة أو لنزهة أو لشراء شىء. ولست هنا أتحدث من موقع السكن فى حى راق، أو كان كذلك. فأنا أعشق الأحياء الشعبية، وأحب أهلها وناسها الطيبين، ويشهد على ذلك جولة لى منذ أيام فى شوارع الرويعى الضيقة لمدة ساعات وسط أجدع وأجمل ناس. وأقول ذلك درأ لتعليقات محتملة عن حى المعادى الراقى وسكانه..
** أيضا فى المصرى اليوم كتب الزميل والكاتب عمرو الشوبكى عن القديم والجديد. وأن بناء المدن والأحياء الجديدة ضرورة للتنمية ولمواجهة الزيادة السكانية المفرطة. وأن ذلك لا يتعارض أبدا مع الحفاظ على الأحياء القديمة وعلى طابع كل حى ومن يزور تونس والمغرب والجزائر سوف يجد حفاظا على الأحياء بنسق حضارى قد يصل إلى لون واحد لكل منازل الحى.
** فى مصر القاهرة الخديوية والقاهرة الفاطمية وأحياء الزمالك وجاردن سيتى والحلمية والعباسية وباب الشعرية والعتبة وغيرها من أهم سحر وحضور القاهرة. وقوتها فى تراثها. وتلك الأحياء كنوز كما فى أوروبا كنوزها من الأحياء التاريخية.
** وهذا بيت القصيد. فمنذ سنوات طويلة تخسر المعادى كل يوم طابعها وجمالها. هدمت الفيلات من أجل العمارات. وذبحت الأشجار. ودخلت الفوضى فى كل شىء. فى الزحام، وفى عدم الاهتمام، وفى غياب الرؤية لضاحية تأسست من أجل عدد معين من السكان بما فى ذلك من بنية تحتية تتناسب مع عدد سكانها، ثم أصبحت حيا قديما باليا مهملا، وحيا آخر بنى فى الصحراء أطلق عليه المعادى الجديدة، فاحتلته العشوائية مثلما احتلت كل أحياء مصر. ولم يتدخل أحد على مدى خمسين سنة لإيقاف هذه الفوضى سوى السيدة الفاضلة سوزان مبارك قرينة الرئيس الراحل، عندما زارت المعادى لافتتاح مكتبتها العامة، فصدر قرار بعدم تخطى البناء لعدد أربعة طوابق كما أذكر، إلا أن مناطق فى قلب المعادى ووسط فيلاتها شهدت عمارات علت إلى مستوى 12 طابقا. دون تدخل من أحد.
** شوارع المعادى الجديدة والمعادى القديمة محطمة، فكلها حفر ومطبات، بسبب ضعف ميزانية الحى. وقلب المعادى يئن من حركة الأتوبيسات والميكروباصات، والتكاتك. وأضيف على ذلك زحام حركة المرور للقادمين من أكتوبر والمهندسين والمتجهين إلى أحياء الزهراء والتجمع وشرق القاهرة، فأصبحت شوارع المعادى فى ساعات الذروة مثل جمل يرغب فى المرور من ثقب إبرة!
** وبسبب هجرة الشركات والسفارات والبنوك من المهندسين والزمالك والدقى وجاردن سيتى إلى المعادى، ترتب عليها المزيد من الزحام، مما يتطلب تدخلا مرويا لضبط الاتجاهات، فالشوارع أصبحت جراجات للسفارات والشركات والبنوك. ناهيك عن التاكسيات البيضاء التى تتجول فى شوارع المعادى بحثا عن زبون. وهى ظاهرة لم نعرفها فى الحى الهادئ أو الحى الذى كان حيا.. زمان!