بقلم - حسن المستكاوي
** هذا وقت رحلة صيفية على متن سفينة تجوب بحر كرة القدم الجميلة الممتعة. إنها هجرة شرعية. تاركا خلفى أزمة عمرها عام (ضمن أزمات عمرها أعوام بلا حل) وهى أزمة ما زالت تدور رحاها فى كرتنا والأزمة اسمها «الشحات/ الشيبى». إنها حديث الساعة والدقيقة، فى اللوائح، وفى الخطأ والصواب. بينما الرياضة وكرة القدم الحقيقية هناك على الشاطئ الآخر من البحر الأبيض المتوسط.
** على ملعب أليانز أرينا تنطلق البطولة الأوروبية بمباراة الافتتاح بين ألمانيا واسكتلندا. وتذهب الترشحيات كما جرت العادة إلى المنتخبات الكبيرة حتى تلك التى خاصمت البطولات والألقاب مثل إنجلترا. لكن هذه البطولة تشهد هذه المرة 11 منتخبا من أوروبا الشرقية. فهل يمكن أن يسجل أحد هذه المنتخبات معجزة شبيه بمعجزة الدنمارك 1992 أو معجزة اليونان 2004؟
** الأسئلة تفتح أبواب أسئلة: هل تتجاوز ألمانيا عام 2023 المروع على منتخبها؟ هل تستطيع اسكتلندا مثلا أن تصل إلى حيث لم تصل من قبل، من خلال الخروج من دور المجموعات فى بطولة كبرى؟! هل شباب إسبانيا يسترد سمعتها؟ هل تزيل بلجيكا أثار الأداء الهزيل فى مونديال 2022؟ هل يقود كيليان مبابى فرنسا إلى قوس النصر؟
** تجاوز منتخب ألمانيا فترة صعبة عاشها من مارس إلى سبتمبر 2023؛ حيث خسر المنتخب الألمانى أربع من أصل خمس مباريات أمام منافسين متوسطى المستوى ولم يفز بأى شىء. وقاد هانزى فليك الفريق للخروج من كأس العالم بخفى حنين ثم تمت إقالته بعد الهزيمة المفاجئة 4/1 على أرضه أمام اليابان فى أوائل سبتمبر. واختير جوليان ناجيلسمان البالغ من العمر 36 عامًا لقيادة الفريق. وامتدت أزمات الكرة الألمانية إلى عراك سياسى بسبب الاستغناء عن عقد شركة أديداس من أجل شركة نايكى. لدرجة إعلان المستشار الألمانى أولاف شولتس رفضه التعليق على قرار الاتحاد الألمانى لكرة القدم بإنهاء الشراكة مع شركة أديداس الألمانية كمورِّد للمعدات الرياضية وذلك بعد مضى أكثر من 70 عاما على هذه الشراكة. وكان عدم التعليق رفضا ضمنيا!.
** عام 2023، واصل منتخب ألمانيا الانحدار تحت قيادة ناجيلسمان. وذلك فى مباراة ودية ضد تركيا فى نوفمبر وخسرت ألمانيا 3/2، وهى الهزيمة التى أعقبتها هزيمة أخرى أمام النمسا 2/ صفر. وبعد تلك الهزيمة فى فيينا، قال ناجيلسمان فى مقابلة مع مجلة دير شبيجل: «علينا أن نتوقف عن التفكير فيما يتعلق بالمكانة. نقول لأنفسنا إن ألمانيا دولة كبيرة فى كرة القدم، على الرغم من أننا نعانى من الإخفاقات منذ سنوات» (ناس تواجه نفسها بالحقيقة ولا تدفن رءوسها فى الرمال).
** فى مارس 2024، أعاد المدرب الجديد تونى كروس واختار اللعب بأربعة لاعبين تقليديين فى الدفاع، مع استعادة هافرتز بشكل معقول للعب بالقرب من مرمى الخصم أكثر من مرمى فريقه. والآن تتمتع ألمانيا بالقوة الهجومية لكن ناجيلسمان يركز الآن مرة أخرى على حيازة الكرة بدلاً من الهجمات المرتدة. وقد حقق فوزا مهما على فرنسا 2/ صفر أعقبه الفوز على هولندا 2/1 فى فرانكفورت، وتغير المزاج العام فريق غير مستقر سابقًا يؤمن بنفسه الآن مرة أخرى. ومن الصعب تصديق مدى السرعة التى تغيرت بها الأمور، لكن ألمانيا عادت كأحد المرشحين بقيادة ناجيلسمان وهو رئيس مدرسة التدريب الألمانية التى توصف بأنها تتكون من «مدربى الكمبيوتر المحمول»: أى خبراء تكتيكيين خالصين، والعديد منهم لم يكونوا لاعبين محترفين على الإطلاق.
** ألمانيا اليوم غنية بالمهارات. جمال موسيالا، تونى كروس، فلوريان فيرتز، جوندجان. لكن هل يمكن قياس قوة منتخبات على أساس نتائجها فقط فى التصفيات؟ هل يمكن الأخذ بنتائج المباريات الودية؟
** تضيق المساحة، وما زال الحديث يمكن أن يطول عن ألمانيا. لكن ماذا عن اسكتلندا؟ خاض فريق ستيف كلارك سبع مباريات دون تحقيق أى فوز (قبل فوز صعب على جبل طارق)؛ وكانت الهزائم أمام فرنسا وإنجلترا وهولندا وإسبانيا مفهومة. ثم هزيمة أخرى أمام أيرلندا الشمالية. ومع ذلك نجح كلارك فى بناء فريق كفء منظم يؤمن بقدرته وتتمتع اسكتلندا بوفرة من اللاعبين المميزين فى خط الوسط، وهو ما يحتاج إلى تعويض النقص فى مهاجم من الطراز الأول.. إلا أن المسألة يحكمها أسلوب اللعب، والمهارات وتعددها والقدرة على الابتكار والإبداع.. وهذا يرجح كفة ألمانيا، إلا إذا...؟!