زلزال مفهوم الدولة والقيم الإنسانية

زلزال مفهوم الدولة والقيم الإنسانية

زلزال مفهوم الدولة والقيم الإنسانية

 العرب اليوم -

زلزال مفهوم الدولة والقيم الإنسانية

يوسف الديني
بقلم يوسف الديني

بعيداً عن التعميمات العاطفية حول وضع البشرية اليوم، كشف زلزال تركيا/ سوريا عن مأزق حقيقي فيما يخص مجال الأمن القومي والكوارث في شقه العملي، كما فضح دون مواربة هشاشة المؤسسات الدولية، ونفاق الكثير من الدول الغربية تجاه مسألة القيم الإنسانية، الزلزال الحقيقي اليوم هو في مفهوم الدولة بما تعنيه من ضامن لحقوق مواطنيها، كما هي الحال فيما يخص القيم الإنسانية في اختباراتها الحقيقية خارج أقواس الحروب وويلاتها.
هناك اليوم مجال واسع مستمد من الفلسفة والسياسات العامة والقانون والإدارة والعلوم الإنسانية خصوصاً علم النفس والاجتماع بشكل عام، فيما يخص إعادة تعريف الأمن الداخلي وعلاقته بالكوارث والحالات الطارئة.
التفكير النقدي مهم جداً؛ بداية، من أجل إيقاف هذا الركام من الأوهام والشعارات والتسييس الذي يمارسه تجار الأزمات إضافة إلى صناع المحتوى، ومحاولة تحويلها إلى مادة سيّارة للإعلام (Viral content)... الاستبدال بأرقام شباك التذاكر وأهداف كرة القدم، أعداد جثث الضحايا، وهو مهم جداً أيضاً في الوقوف بشكل محايد.
هناك مقولتان في الفلسفة العملية يطرحها الأكاديميون بعمق، وكتبت عنها الكثير من الكتب والأبحاث ضمن حقل «دراسات الكوارث» مقولة العقد الاجتماعي، والنظرية الأخلاقية التي عالجت الكارثة من حيث ضررها الذي يصيب عدداً كبيراً من الناس بشكل يؤثر في إيقاع حياتهم اليومية من الزلازل إلى الحرائق، والفيضانات، والعواصف، والتسربات الكيماوية، وحتى الأوبئة، وصولاً إلى الهجمات الإرهابية.
الصدمة التي يعيشها العالم اليوم كبيرة وغير مسبوقة، والحروب وآثارها ما زالت حاضرة ومرشحة للتصاعد في عالم اليوم الفوضوي، لكن الكوارث لها منطقها الخاص، وتأثيراتها المفارقة للحروب على السكان المحليين، فهي متوقعة، ويمكن تحديد عناصرها الفاعلة ومخططيها وفرص النجاة منها.
منذ القرن السابع عشر المؤسِّس للفلسفة الحديثة، حاول هوبز ولوك وروسو تأصيل مسألة الكارثة، وعلاقتها بالسياسات العامة وأخلاقيات التعامل، أو الاستجابة حسب التعبيرات الحديثة كجزء من العقد الاجتماعي المؤسس لمفهوم المواطنة وجودة الحياة، وكان الجدل مقلوباً لدى فلاسفة العقد الاجتماعي لبيان أهمية مفهوم الدولة أو فوائد النظام السياسي، ليس بوصفه ضامناً للأمن والحريات؛ بل كضرورة لا يمكن أن تستقر حياة الناس من دونها؛ فالتنافسية والعدوانية والأنانية...
اليوم، للأسف نجد أنَّ أول إخفاقات التعامل مع كارثة الزلزال يتمثل في تحول النظام في سوريا مثلاً إلى عائق بالنسبة للدول الغربية وغيرها، مع أن ذلك لا يعطي تبريراً لحالة الإهمال بسبب تعنته ورفضه مرور المساعدات للمناطق غير الخاضعة لسلطته، وفي الوقت نفسه يشعر الأتراك في المناطق المنكوبة بأنهم كانوا ضحية مشاريع لم تراع مسألة طبيعة جغرافيا الأرض وتحدياتها الجيولوجية، وهناك حديث استعادي كثير اليوم عن معالجة دول كاليابان لتقنيات البناء وامتصاص الهزات الأرضية، وهو ما بات يعرف السياسات العامة بـ«التأمين اللوجيستي للكوارث»، ويقوم على تسجيل كل المؤسسات والمجمعات السكنية في النطاق المستهدف مع إدارة الطوارئ والكوارث بهدف التوعية والتماس الحلول قبل الحدوث وسهولة معالجة الأضرار وتقديم الخدمات المناسبة بسرعة أكبر.
الصراعات البشرية اليوم تبدو أمراً مثيراً للسخرية والاستهجان، مع صور البحث عن ناجين بين الأنقاض، لكنها تحولت إلى سؤال حقيقي حول مسؤولية ومنطق الدولة في تسهيل مهمة التعاطف المجتمعي والدولي مع الضحايا، كما هي الحال لخطتها في إعادة الإعمار دون تحيّزات سياسية.
وعلى مستوى الصورة السياسية وهي أيضاً مسألة مهمة في حالة الانكشاف التي تعاني منها الدول المنكوبة، هناك مفارقة في الحالة التركية/ السورية؛ فرغم تداخل حالة الصراع بين البلدين، فإنَّ زاوية النظر من قبل المجتمع الدولي تبدو مختلفة بين نظام حاضر في قلب الصراع والممانعة السياسية مع الغرب كإردوغان، ورئيس بعيد عن زاوية النظر والتركيز، لكنه بعد الفاجعة عاد العالم كله ليعقد مقارنات تعكس مدى عمق الأزمة في الداخل السوري، بين ما فعله الزلزال أو النزاع في سوريا بالأبرياء، وهو الأمر الذي تباينت فيه زوايا النظر وبراغماتية الاستجابة للأزمة مع ملف التوقيت؛ فتركيا على أبواب انتخابات لا يشعر معها الأوروبيون بشكل كبير والأميركان بدرجة أقل بأي تعاطف مع بقائه بسبب الأزمات المتصلة بالسويد وفنلندا والانضمام للناتو، كما أن قدرة بوتين على لعب دور كبير في الملف السوري وعلاقة ذلك بالحرب في أوكرانيا تعقد مسألة المقاربة للحالة السورية، فضلاً عن تجاور إيران وإسرائيل وتنافسهما للظهور بصورة إنسانية لكن شديدة التسييس والرمزية.
الضحايا اليوم يكسرون حاجز الـ30 ألفاً، وخلفهم الملايين من المنكوبين، لكن المساعدات الإنسانية وملف إعادة الإعمار، بل وحتى الاستجابة السريعة لما بعد الكارثة ما زالت مرهونة بممارسات حرجة من المجتمع الدولي سببها غياب الدولة، وتراجع كبير في مسألة المسؤولية الأخلاقية المترجمة للقيم الإنسانية الكبرى والأساسية، حتى المؤسسات الدولية تعاني من هذا الانقسام حسب طبيعة العاملين فيها، ومدى قربهم أو بعدهم من النظام، ومن هنا يبدو كل شيء فوضوياً برسم السياسات، وفوضى الأوضاع، وغياب منطق الدولة وفضيلة الاستقرار، والحد الأدنى من المسؤولية الأخلاقية، وهو ما يشكل زلزالاً أكثر ضراوة وأشد فتكاً.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زلزال مفهوم الدولة والقيم الإنسانية زلزال مفهوم الدولة والقيم الإنسانية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام
 العرب اليوم - تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab