لحن القول دعاة الإثارة والتكفير السياسي

لحن القول: دعاة الإثارة والتكفير السياسي

لحن القول: دعاة الإثارة والتكفير السياسي

 العرب اليوم -

لحن القول دعاة الإثارة والتكفير السياسي

يوسف الديني
بقلم - يوسف الديني

اهتممت بظاهرة الدعاة الجدد والمسيّسين منهم، لا سيما في الحالة الكويتية منذ نشأة الظاهرة واشتداد عودها قبل عقد من الآن تقريباً، وحينها صدرت العديد من الدراسات، أبرزها «إسلام السوق» للباحث السويسري باتريك هايني، أو ظاهرة ما بعد الإسلاموية بحسب أوليفيه روا، وكتبت عنها أكثر من دراسة نُشرت في مراكز أبحاث معنية برصد ظواهر وتجليات الإسلام السياسي، لكن الظاهرة اليوم تتجاوز ما سميته «الوظائف الدعوية» الوسيطة والتي برزت مع مصطلحات لم تعرفها التقاليد العريقة في الحضارة الإسلامية، لا سيما في المدرسة السنية المحافظة، من الداعية الذي عرفه الإسماعيليون والباطنية أو الراقي والمصلح... إلخ. تجاوزت ذلك إلى ما يمكن تسميته نزع الشرعية عن مفهوم الدولة القطرية الحديثة والاستقرار السياسي لصالح فكرة الأممية والشمولية الإسلاموية العابرة للحدود، ومن هنا يمكن أن نفهم تغريدة السويدان الجدلية ليس في سياق الخطأ، وإنما في ظاهرة أكبر، وهي المضمر والمسكوت عنه، الذي هو جزء من متلازمة الأصولية التي وصف الشاعر الفيلسوف الفرنسي فولتير صاحبها بـ«الأرثوذوكسي/ الأصولي الشخص الذي اعتقد أن روح القداسة التي تملأه فوق القانون».
من هنا تبدو الأصولية باعتبارها آيديولوجيا مغلقة، أحد أشد الأنماط الفكرية عداء لفكرة «التعددية»؛ ذلك أنه يعتبر الحقيقة التي يعبر عنها مطلقة ومتعالية على الواقع، حتى لو اقتضت الممارسة المصلحية (البراغماتية) التنزل مع الخصوم على مستوى الوسائل، لا الغايات، ومن هنا تبدو الأصولية أكثر الأفكار إحرازاً للتقدم في زمن الاضطرابات السياسية والاحتجاجات التي تتخذ شكل الثورة أو تتوسلها باتجاه الفوضى، هذا التقدم ليس معبراً بشكل حقيقي عن قوة الأصولية على الأرض أو الواقع؛ إذ لا تشكل رقماً كبيراً في بعض البلدان، أو تكون قارة وكامنة في شبكاتها الاجتماعية الضيقة «المنعزلة» في نماذج أخرى، لكن سبب تقدمها هو منطقها، تلك اليقينية الباذخة في حديثها، وهي ما تحتاج إليه الحشود الحائرة .
الأصولية التي يجسدها سويدان وأمثاله هي أصولية سياسية وتكفير سياسي إذا صح الوصف، باعتباره نزعاً لشرعية الدولة وإن لم يمكن بمضامين دينية، هي أصولية تحمل ميكانيزم بقائها في داخلها عبر آلية العنف، وهو ليس بالضرورة عنفاً محصوراً في «السلاح»، بل ثمة أسلحة معنوية لا تقل عنه خطورة كالتكفير والحصار الفكري واختراق السلام المجتمعي، عبر آليات الطرد بمعايير دينية حتى في أكثر المسائل دنيوية!
من هنا الحديث عن تسامح الدعاة الجدد الاجتماعي أو السلوكي لا علاقة له بما نتحدث عنه من أصولية سياسية وراديكالية فكرية، فهناك الكثير من النظريات والمقولات حول طبيعة الشخصية الأصولية من زاوية سياسية، وأنها غير مرتبطة بدين أو حالة تدين، بل تستخدم الشعارات الدينية كقناع مفاهيمي لتمرير آيديولوجيتها نحو السلطة، وربما كانت دراسة الباحثة كارين آرمسترونغ عن الأصولية في الأديان التوحيدية، أحد أهم المؤلفات في تلمس جذور الأصولية في الخطابات المتطرفة التي تتكئ على رافعة الشعارات الدينية، لكن ذلك أيضاً ليس مقتصراً على أصوليات الأديان، بل يتخطاها إلى أصوليات وضعية ربما كان من أشهرها نظرية العنف الثوري التي عرفتها الشيوعية في منحنياتها الحادة.
أزمة الدعاة الجدد اليوم ليست الشرعية الدينية أو فشل محاولة إدماجهم داخل الجسد الديني بفضائه وتقاليده وحقوله، بل في خطورتهم على الشرعية السياسية والاستقرار بحكم أنهم يحاولون المنافسة خارج المجال الديني وداخل الفضاء العام والسياسي والمجتمعي منه بشكل خاص، ويحاولون إبداء وجهة نظر حتى في القضايا والملفات السياسية الكبرى، هم عادة شبان تلقوا تعليماً غير شرعي، وحاولوا الاستفادة من تقنيات حداثية على مستوى الإلقاء والخطابة، وحتى التسويق والتشويق، وغيرها من المهارات التي لا يمكن إنكار دورها في تضخيم قيمة ما يقدمه هؤلاء النجوم الجدد على الساحة الإعلامية، لكنها في ذات الوقت تعكس أزمة مضمون وتعيدنا إلى الصراع الذي نشب في التسعينات على خلفية أحداث أزمة الخليج، حيث دار الجدل حول مجموعة من الوعاظ والدعاة المسيّسين ومحاولة فهم طغيان نجوميتهم آنذاك، وتفوقها على قيمة المرجعيات الدينية في شكلها المؤسسي كالأزهر وهيئات العلماء، أو حتى على الفقهاء والعلماء الذين كانوا يتحفظون على تلك الظاهرة، كما هو حالها اليوم، مع كل تصريح يخرج من ربع فقيه أو داعية مسيّس؛ لكونها تمثل تبسيطاً مخلاً للمضمون الديني كخطاب له مدارسه وتقاليده العريقة التي ظلت متوارثة منذ البدايات المبكرة لنشأة المدارس الفقهية والاتجاهات الكبرى للفكر الديني العريق بمدارسه ورجالاته.
فلتات اللسان والمضمر ونظريات التلقي والخطاب مهمة اليوم في قراءة ما يمكن وصفه بـ«لحن القول»؛ بمعنى البناء اللغوي والألسني للخطاب الأصولي بثقافته ورموزه ودلالته، وهو أمر نحن بحاجة فيه إلى تضافر تخصصات كثيرة، وبداية لأرشيف مهم لجزء من تاريخنا الوطني وتحدياته في العالم العربي والخليج بشكل خاص، فدون هذا النوع من التحليل والقراءة يجعلنا كمن يعيد إنتاج التاريخ من المحكومين بتكراره؛ لأنهم لم يقرأوه جيداً.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لحن القول دعاة الإثارة والتكفير السياسي لحن القول دعاة الإثارة والتكفير السياسي



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab