«رؤية 2030» انبعاث الهويّة والشخصية الوطنية

«رؤية 2030»: انبعاث الهويّة والشخصية الوطنية

«رؤية 2030»: انبعاث الهويّة والشخصية الوطنية

 العرب اليوم -

«رؤية 2030» انبعاث الهويّة والشخصية الوطنية

يوسف الديني
بقلم يوسف الديني

تعريفات الهويّة في الفلسفة والعلوم الإنسانية تربو على المائة بحسب زاوية تناولها، لكن ما أعنيه هنا بالهويّة، التي أود التعليق على انبعاثها في الداخل السعودي بالتزامن مع المشروع الهويّاتي، قبل أن يكون الاقتصادي أو السياسي، «رؤية 2030»، التي يتم ظلم عظمتها وتأثيرها في حصرها في جوانب محددة، الهويّة التي تقدمها لنا الرؤية أنها أكسبت رابطة المواطنة المجتمعية طابعاً ثقافياً، وأثرت التمايزات الفرعية والاختلافات المناطقية ثراءً وطنياً كبيراً من القهوة إلى المذاقات والفنون واللباس، وصولاً إلى إعادة إحياء التراث في أشكال احتفالية بسيطة للأسف يتم قولبتها في مقاطع سيارة للسوشيال ميديا، التي تلتقط المثير والسلوكي، بينما يستطيع الباحث والمتأمل أن يخرج بنتائج بحثية مذهلة في حال حاول مشاهدة الصورة الكلية، ما فعلته أني في يوم التأسيس، الذي كان يوم عطلة واحتفال ونقاشات وطنية في المجالس وعلى منصات التواصل الاجتماعي، حاولت مشاهدة مقاطع عبر خيارات تحديد المكان والوقت والنوع من كل مناطق المملكة، لأجد أن النتيجة نحن أمام مشهد يؤكد انبعاث الهويّة الوطنية والشخصية السعودية المدعومة بقوة الرؤية وشموليتها وكفاءتها في عدم التمييز والقطيعة مع التطرف والتعصب والخطابات المأزومة، هناك احتفال كبير بسؤال «الذات» دون شوفينية كما في بعض التجارب التي عاشتها دول وتجارب أخرى، وذلك لأسباب كثيرة ليس هذا محل بحثها، لعل من أبرزها أن الهوية في السعودية المتجددة، وليست الجديدة فقط، مرتبطة بمشروع فكري وهوياتي ورؤيوي ضخم وبملامح واضحة مرتبطة بالتحولات التي تصنعها الأجيال السعودية الشابة، الذين يعكسون هذه الاستعادة للهويّة دون أقواس آيديولوجية أو اختطاف خارج التجربة/ الكيان وربطه مباشرة بمفهوم الاستقرار والرفاه والمستقبل، واللافت بالنسبة لي في قراءة المحتوى العفوي - العضوي (Organic content) أن الفئة العمرية في تلقفها للرؤية وانبعاث الهويّة والشخصية الوطنية تختلف، حيث الأجيال الجديدة التي لا تهتم بصراعات الشرعية أو الأفكار أو المحاكمات لثنائيات ما زالت مرتبطة في أذهان الأجيال الأكبر سناً كثنائية الدعوة - الدولة، التراث - التجديد... إلخ هناك انحياز كبير للمستقبل لدى الجيل الجديد لكنه أكثر انحيازاً للاعتزاز بالتاريخ والذات من دون الدخول في تفاصيل التحيز الثقافي أو معارك تاريخية ليست ذات جدوى، هم أقرب لفهم أن تلك أمة قد خلت وأن السياق (context) مهم جداً لفهم التاريخ وليس تمثله.
السعوديون يعبرون في كل احتفال وطني منذ انطلاق الرؤية بشكل مختلف ومتميز يشبه كثيراً ما أحدثته الرؤية من لغة وأهداف وتطلعات حيث الرابطة الوجدانية تتقدم على الانحياز المناطقي، والاعتزاز بالتقاليد والثقافة المحلية، والعودة النوستالجية المرتبطة بالحنين، ونجد ذلك في رمزيات اللباس واللغة والفلكلور والطعام، وهو ما يخفيه المضمر من الاحتفالات على الظاهر الذي ينتقده البعض بشكل انتقائي ويظلم السياق الكلي والعدد الأكبر.
الهويّة الاستعادية التي قدمتها الرؤية مثيرة للتأمل والتساؤلات والكثير من التركيز على ضرورة رعايتها وتحويلها إلى مشاريع ومبادرات وطنية تحافظ على مكتسباتها، وأهمها الشعور بفضيلة الاستقرار والرفاه والثقة العالية بمخرجاتها، وإذا كانت الهويّة الوطنية في الأطروحات التقليدية تنتج عن الاشتراك في اللغة والأرض والمنافع، فإنها اليوم تستمد قوتها من التطلع إلى مستقبل مختلف والمنظومة القيمية الجديدة والمفاهيم المشتركة هي أبعد بكثير من مجرد وضع اقتصادي، فمنطق الدولة اليوم مقدم على كل ما عداه، والشعور بالمصلحة الوطنية دون ادعاءات شوفينية أيضاً حاضر وبقوة، حيث الكثير من المحتوى المعبر عن الاعتزاز بالسيادة والتراث والوعي الاجتماعي بالمتغيرات ونشوء مناعة ضد الاستهداف لا تخطئها العين، وإن كانت بحاجة إلى الكثير أيضاً من البرامج والمبادرات التي تعززها، خصوصاً فيما يخص المجال الثقافي والتاريخي والسياسي، وبلغة وطرائق يفهمها الجيل الجديد، وهم الذين يشكلون رواد الصف الأول اليوم فيما يخص مسألة انبعاث الهويّة.
أهم من كتب من المعاصرين في نظري عن الهويّة بهذا المعنى، لأنه فض الاشتباك عنها وعن مفارقاتها، الفيلسوف الكندي شارل تايلور، الذي يعتبر أن الهويّة تفاعل ذاتي أكثر من كونه استجابة طيعة لمدخلات خارجية، فهو كائن يؤول ذاته ولذلك لا يمكن الحديث عن هويّة مقطوعة عن جذرها الثقافي، وبهذا الفهم يمكن فهم حالة القطيعة التي يتم التعبير عنها بشكل واسع اليوم في السعودية، حيث الهويّة الجديدة المرتبطة بـ«رؤية 2030» تسحب البساط من الهويّات الأصولية الراديكالية، وأيضاً لا تتماهى مع الهويّات الحداثية أو المعولمة ومفهوم «المواطن العالمي»، أو بحسب تعبير تايلور لا يمكن عزل الإنسان عن المكونات التي تشتغل على دواخله العميقة، فهويّة البشر اليوم ليست منغلقة وكأنها مشاعر جوانية عمياء، لكنها مشدودة إلى ما يتجاوز المصلحة الذاتية، والمواطن اليوم مرتبط كفرد بمسؤولية الجماعة الثقافية التي في داخله، والتي تحضر بشكل ملموس في شكل «وطن» ومستقبل لا حدود لطموحات المؤمنين به من جيل الرؤية!

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«رؤية 2030» انبعاث الهويّة والشخصية الوطنية «رؤية 2030» انبعاث الهويّة والشخصية الوطنية



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 08:52 2025 السبت ,26 إبريل / نيسان

قادة العالم يشاركون في جنازة البابا فرنسيس
 العرب اليوم - قادة العالم يشاركون في جنازة البابا فرنسيس

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 04:47 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 25 إبريل / نيسان 2025

GMT 17:02 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

صعود طفيف لأسعار النفط بعد انخفاض 2%

GMT 10:33 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab