بقلم - يوسف الديني
التفكير في اليوم التالي هو مطلب اليوم لكل العقلاء في دول العالم لكن بدوافع مختلفة، فبعض الإسرائيليين يعتقدون أن هذا الحل هو الضمانة الوحيدة لصيغة توافقية تجلب الأمن لمدد طويلة، لا سيما إذا رافقته ضمانات دولية، وربما كانت أكثر المخاوف لديهم هي قدرة الأطراف الفاعلة على عقلنة الحالة الأمنية والسلاح والاستيطان والعنف والإقصاء؛ وهذه تحديات أكبر بكثير من النقاشات حول اليوم التالي بشكل عام أو مجرد التناول الانتهازي لبعض المقاربات الغربية، ومنها ما يطرحه الخطاب اليميني في إسرائيل وأنصاره في إدارة بايدن حول التركيز على مسألة إطلاق الرهائن من دون أي تصور لما بعد ذلك، أو مجرد حث الدول العربية على صيغة سلام مطلقة ومفتوحة ومن دون اشتراطات وضمانات، وهو ما يفسر الرد السعودي الحازم الذي وضع النقاط على الحروف حول موقف السعودية الواضح من الحق الفلسطيني في دولة مستقلة ومن دون عوائق أو أطر تحاول الالتفاف على هذا الوضوح، الذي ربما كان ملتبساً قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بسبب حالة الانسداد السياسي، لكنه اليوم بسبب الصلف الإسرائيلي والوحشية التي لم تغضب العالم بل جعلته يشكك في جدوى المشتركات الإنسانية والقوانين الدولية والتحالفات والمؤسسات، بل جعل الكثير منا لأجيال جديدة يعيش ارتباكاً كبيراً على مستوى القيم الإنسانية، وهو ما أعتقد في طريقه للتصاعد، خصوصاً مع هذا الكم من الألم الذي تقذفه الشاشات، وكل هذا الانهيار الأخلاقي على مستوى حقوق المدنيين وضحايا الحروب، بغض النظر عن أي مبررات أخرى.
التوقيت أيضاً يلعب عاملاً مؤثراً في مسألة طول أمد الأزمة ومحاولة لعب كل الأطراف المنخرطة فيه وأهمها على المستوى السياسي الانتخابات الأميركية المقبلة، وعلى مستوى الوجدان العربي والإسلامي استمرار هذه المجازر على مدى أشهر ومع قرب حلول شهر رمضان.
التحدي الكبير اليوم ليس في الشعارات الفضفاضة من إقامة الدولة أو إيقاف الحرب أو المخاوف الأمنية، وإنما من جهة ضرورة إعادة الاعتبار للقانون الدولي والقيم الأساسية للمدنيين، ومن دون ذلك لا يمكن تخيل أي تقدم في مسألة استقرار المنطقة، خصوصاً مع خروج القضية من إطارها الجغرافي إلى تحولها إلى قضية مؤرقة للضمير الإنساني اليوم وشبح يهدد مسألة السلم والشعور بالأمان.
أول شروط حقيقية لتصور حل، هو تفكيك الحالة المعقدة، من خلال فصل المخاوف والعوائق عن الأولويات التي يجب أن تنتصر للمدنيين وضمانات حماية ما تبقى منهم، ثم تأتي كل التحيزات الآيديولوجية بين أطراف النزاع بوصفها مرحلة ثانية قبل الدخول في المعتركات السياسية الكبرى، مثل الحدود ونزع السلاح والمسائل الإدارية، لكن الأكيد أن القفز على كل هذه المعضلات نحو محاولة طلب سلام مبني على أشلاء الأبرياء فهذا تصور ساذج بمآلات ما بعد السابع من أكتوبر 2023، سواء فيما يخص مسألة السيادة، والحق الأدنى من الكرامة الإنسانية للفلسطينيين، أو التنازلات التي يجب أن يبذلها الطرفان للدخول في مفاوضات جادة، وحتى مسألة إقحام طرف ثالث إقليمي أو دولي هو مرهون بتجاوز هذه العقبات الأساسية.
الأكيد أن مجرد إطلاق الشعارات حول الحل واليوم التالي من دون تهدئة تفضي لإيقاف الحرب فوراً، هو مجرد تزجية للوقت تفضي إلى المزيد من منسوب التأزيم والتعقد والأكثر فداحة المزيد من فقدان الإيمان بالقانون الدولي والمشتركات الإنسانية.