ثمن العقلانية حتى لا تتحول إلى حرب قيامية

ثمن العقلانية: حتى لا تتحول إلى حرب قيامية

ثمن العقلانية: حتى لا تتحول إلى حرب قيامية

 العرب اليوم -

ثمن العقلانية حتى لا تتحول إلى حرب قيامية

بقلم - يوسف الديني

لم يكن هرع إسماعيل هنية للتواصل مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بالأمس إلا تأكيداً على اختطاف إيران لـ«حماس»، وقد تحدثت عنه قبل عشر سنوات في هذه الصحيفة تحت عنوان «رصيد حماس في خطر»؛ لذلك المهم اليوم هو قراءة التوجهات والمآلات والتحديات، خصوصاً تلك التي تواجه دول الاعتدال والعقلانية، وفي مقدمتها السعودية؛ لأنه الأهم بعد أن ينتهي «الطوفان».

ما يحدث في غزة لم يكن مقطوع الصلة عن سياقين طويلين لا يمكن عزلهما لفهم سيناريوهات المرحلة المقبلة: السياق الأول خروج الحالة الفلسطينية من فلسطين وارتهانها إلى توازنات إقليمية ودولية وتصادم يمينَين؛ صقور «الحرس الثوري» مسنود بأذرع لأربع مدن عربية غزة آخرها، ويمين متطرف يهودي مؤمن بالتطهير التوراتي وسياسات التهجير مسنود بظهر غربي صلب يأخذ بقاؤه أولوية قصوى يمكن معها أن تضمحل وتتلاشى كل القيم والشعارات المتصلة بالعدالة وحق تقرير المصير وحقوق الإنسان.

السياق الثاني مكاني، فطبيعة ونوع وشكل عمليات «حماس» وتدرجها في بناء قوتها قبل لحظة «الطوفان» تؤكد وفقاً لمراكز بحثية متخصصة أنه كان مطبخها خارج غزة، وكلنا نتذكر التنسيق بين «حماس» و«حزب الله» برعاية إيرانية قبل سنوات للتحضير لهجمات على بلدات الجليل عبر أنفاق على الحدود اللبنانية، وأغلب القيادات الفاعلة والمتصارعة في «حماس» و«فتح» تعيد إنتاج ذاتها خارج غزة لتقديم نموذج ثوري بديل للسلطة الفلسطينية التي خسرت الدعم الشعبي، وأصبحت متكلسة ومترهلة ولا تملك سوى ورقة باهتة من الشرعية، وكانت تلك أيضاً إحدى نتائج حالة الإهمال والتهميش من قبل اليمين الإسرائيلي، فالاشتباك على السلطة قبل «الطوفان» سبقه اشتباك مسلح في مخيم «عين الحلوة» أكبر مخيم لاجئين في لبنان، وكان الصراع المسلح جزءاً من الصراع على الشرعية والفعل والتمثيل العسكري بين الفصائل، لم تخرج «فتح» تماماً لكن قوتها ضعفت، كما أن العديد من قياداتها يستبطنون ترهل المركز وشيخوخة الحركة التي يجسدها الرئيس عباس، ومن المرجح أن يستمر ذلك الضغط في حال صفقة محتملة لتبادل أسرى ورهائن بين الطرفين.

فشل حل الدولتين والأرض مقابل السلام مسؤولية إسرائيلية وغربية تضاف لها خطايا وكوارث ضم أجزاء من الضفة وبناء المستوطنات وحالة الغضب الفلسطيني في الداخل والخارج بشكل عام، وهو ما أدى لحالة الانسداد السياسي وانفجار الوضع، لكن الفارق أن زمام المبادرة للتصعيد كان مفاجئاً ومدوياً ومبعثراً لكل الأوراق ومقلقاً على مستوى استعادة «المحتوى القيامي» من كل الأطراف. الوعد الخلاصي لليهود وأحاديث فضل الرباط في عسقلان من السنّة والخلاص المهدوي في الجانب الشيعي... وهناك كم مفزع وهائل في الشبكات السرية لهذه المنصات وحرب سيبرانية لا تقل ضراوة تدور على «تلغرام» التطبيق الروسي الذي أتاح حلبة صراع المحتوى من دون غيره.

انتهازية طهران وأذرعها لن تحل الأزمة ويمكن أن تؤدي إلى تفاقمها، والضغط على الأردن ومصر يشكل خطراً، وحالة الارتباك الأميركي الواضحة في عدم قدرتها على ضبط السعار الإسرائيلي «Rabies» وآلة القتل والتطهير على الهوية... ستزيد التعقيد وتزيد من شعبية «حماس» والدول الراعية لها والمستفيدة منها؛ إذ تتقاسم الأدوار الناعمة كالإعلام والتفاوض والخشونة ومناوشات تساهم في التصعيد.

على المستوى الشعبوي، هناك ارتفاع كبير في منسوب الاهتمام بالقضية الفلسطينية العادلة، ومتفاوت من حيث المقاربة والتفاعل والجنوح للتطرف أو محاصرة الغرب ومحاققته بتناقضاته حول المفاهيم الإنسانية، كما أن حالة التشاؤم والهلع والتذمر الشعبي في إسرائيل أيضاً مرتفعة بشكل كبير بعد نغمة الانتقام والتخلص من «حماس»، وهذا سيتعمق في حال استطاعت إيران زيادة المناوشات من وكلائها: الميليشيات المتمركزة في سوريا، والميليشيات الشيعية العراقية، والحوثيون في اليمن، وفتح جبهات إضافية مع إسرائيل، وبالتالي تعقيد كل الحسابات العسكرية وتدويل الأزمة، وهو ما يحاول الطرفان تجنبه.

غياب أي أفق سياسي منذ سنوات طويلة والغطرسة والعنصرية الإسرائيلية... ستجعل من الصعب على المجتمع الدولي تجاهل الحقوق السياسية والإنسانية للفلسطينيين، وهو ما سيقوي من قوة الأوراق التفاوضية لصوت الحكمة والعقلانية الذي ستقوده السعودية بجدارة؛ لأسباب موضوعية أهمها ما أثبتته في هذه الأزمة من مسؤولية لا يمكن فهمها إلا بإدراك عميق لتقاليد بيت الحكم السعودي وعلاقته بالقضايا العادلة؛ فهي رغم تصنيفها لـ«حماس» وإدراكها لأزماتها لم تذكرها في بيانها القوي، بل أشارت إلى عمق الأزمة المتمثل في الانتهاكات الصارخة، ورغم أنها دولة غير حدودية على خط التماس مع الأزمة لكنها تدرك تداعياتها الإقليمية والعالمية؛ لذلك باتت قِبلة لدبلوماسية الحل والخروج من الأزمة. وما يقوي موقفها أنها خارج حسابات الاتفاقات الإبراهيمية والتحيزات الغربية. كما أن حالة التناغم والضبط بين تفاعل المجتمع وتعاطفه وتثمينه لموقف بلاده وبين إدراك مخاطر انفلات الأوضاع، تضعها على قمة أي أفق سياسي محتمل، كما أنها تحذر باستمرار كل الوفود من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته. وهي تؤكد على أهمية أن يضطلع المجتمع بمسؤولياته عبر صياغة عملية سلمية ذات مصداقية تفضي إلى حل الدولتين، بما يحقق الأمن والسلم في المنطقة ويحمي المدنيين؛ لأن الحسم العسكري متعذر ويحتاج إلى أثمان باهظة ووقت طويل، وكلنا يتذكر حالة الموصل والرقة رغم الفوارق الضخمة من جهة الأطراف والفاعلين والتلقي من الشعوب.

صوت العقلانية وثمن الاعتدال مكلفان تماماً، والسعودية تدرك ذلك، لكنها قادرة ومؤهلة على تخطي هذه الأزمة بفضل إيمانها العميق بالسلام والعدالة والمستقبل والأمل رغم كل مرارات الألم.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثمن العقلانية حتى لا تتحول إلى حرب قيامية ثمن العقلانية حتى لا تتحول إلى حرب قيامية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab