دبلوماسية الرؤية «قمة جدة» وأسئلة التفوق

دبلوماسية الرؤية: «قمة جدة» وأسئلة التفوق!

دبلوماسية الرؤية: «قمة جدة» وأسئلة التفوق!

 العرب اليوم -

دبلوماسية الرؤية «قمة جدة» وأسئلة التفوق

بقلم: يوسف الديني

خُضت عدداً من الحوارات الشخصية مع عدد من الأصدقاء الصحفيين من أوروبا والولايات المتحدة، وحتى بعض البلدان العربية أو مواطنيها ممن لم يزوروا السعودية من قبل، وكان مجمل هذه النقاشات حول محاولة فهم سر الصعود السعودي، لا سيما على مستوى إعادة التموضع كدولة قيادية في العلاقات الخارجية والاقتصاد والتعامل مع ملفات المنطقة والعالم، بشكل مختلف تماماً عما ألفوه من قبل، وكان السؤال يتكرر مع كل قمة تعقدها السعودية منذ زيارة بايدن والرئيس الصيني، وصولاً إلى «قمة جدة» التي تعدّ بالنسبة لي تتويجاً لنجاحات ما أسميه «دبلوماسية الرؤية» التي جسّدها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويجسّدها اليوم أعداد كبيرة من السعوديين في نجاحاتهم الدولية وتماسّهم مع المؤسسات، حيث يعكسون رؤية واضحة وهوية راسخة لا تدعي أو تسعى للكمال، وذلك يلحظه أي منصف بأنها مشغولة بالتنافسية والمستقبل ولغة الأرقام والتكنولوجيا بما يتجاوز من «أداء الواجب» الوطني.

من الصعب الإجابة عن سرّ هذا النجاح من دون استعراض ما جرى خلال سنوات مضت منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ثم بدايات تحولات «الرؤية» ومهندسها ولي العهد، الذي غيّر المعادلة بما يمكن وصفه بتجسيد قيم السلطة وتمثلاتها المفاهيمية، فبحسب تشارلز هيرمان، فإنَّ السياسة الخارجية تتلبس السلوك الذي يتبعه صانع القرار، فهي بهذا المعنى ليست مسألة تجريدية محضة، بل عملية ديناميكية تأخذ بعين الاعتبار المصلحة القومية، والظروف البيئية الدولية، بمعنى آخر تحويل المصالح الوطنية أهدافاً محددة واضحة تتـشربها كل فرق العمل باستلهام من صانع «الرؤية»، وهو أمر وإن بدا واضحاً للسعوديين في الداخل من خلال التحولات الضخمة التي عاشوها على مدى سنوات قليلة، لكن بنتائج عملاقة تتجاوز منطق الزمن والأشياء.

لقد بدا لافتاً لأنظار المراقبين في الخارج ما يرونه أمام ناظريهم من نجاحات لافتة في المملكة، وهم اليوم يغادرون مواقعهم في صفوف المشككين، إلى محاولة جادة لفهم ما يحدث، خصوصاً وأنه اليوم أصبح حديث المراكز المتخصصة التي ترى هناك سعودية «جديدة»، يجب أن تُفهم ويعاد تقييمها وفق المعطيات والتحولات الجديدة.

السياسية الخارجية السعودية ذات تاريخ عريق وثري جداً، ورغم تعقيد ساحة اللعب فيها ووعورته بمنحنياته الخطرة، لكن السعودية استطاعت أن تحول تلك العلاقة المعقدة عبر انتهاج توازن استراتيجي فعال لأهم مسارَين للعلاقات الدولية: الاستجابة السريعة للمتغيرات وردة الفعل العاقلة تجاه الأزمات، وبدا ذلك واضحاً في حرب الخليج وفي 11 سبتمبر (أيلول)، ثم في موجة ما سُميّ «الربيع العربي»، وفي لحظات تاريخية كانت فيها المملكة مشغولة بتنمية الداخل ولعبت على استراتيجية العزلة بالمعنى الدبلوماسي أو الحياد الذي يركز على تحقيق أمنها القومي، والمحافظة على مكوناتها الاجتماعية والثقافية بأكبر قدر من النأي بالنفس عن ما يحدث في الخارج، مع الحفاظ على جزء من الدبلوماسية والمشاركة وهو مرتبط أيضاً.

اليوم هناك شيء مختلف في السعودية فيما يخص السياسات الخارجية وتمثيلها من التصريحات إلى البيانات والمؤتمرات، إلى لقاءات المسؤولين، وصولاً إلى تجسيد صانع القرار ولي العهد السعودي لـ«الرؤية»، بحسب «فتوحات» ماكس فيبر في مسألة السياسة والكاريزما والتأثير، يمكن للمراقبين قراءة ذلك على مستوى السياسة الخارجية، وتحديداً في نقطتين مهمتين في نظري: الأولى موضوع السيادة الذي أصبح اليوم مسألة يقين لدى حتى التيارات والمجموعات المشككة سابقاً وتفوق وفخر في الداخل السعودي، بدا واضحاً مع تحديات كبيرة خلال السنوات الماضية، والأخرى فيما يخص الرغبة في قيادة ملف ما أسميه «فضيلة الاستقرار»، وتحويله أنموذجاً سعودياً ممكناً مع نجاحات «الرؤية» ودمائها الشابة تقديمه لمنطقة الشرق الأوسط، والمساهمة في التعاون عبره كأحد مرتكزات الاستقرار الإقليمي وتقليل كل التبعات والمخاطر للتحولات والتقلبات السياسية والمزاج الدولي.

أغلب الأصدقاء من الباحثين الذين لم تتسنَ لهم زيارة «السعودية الجديدة» غافلون عن مسألة مهمة فيما يخص «الصورة الخارجية» التي لا يمكن أن تعكسها مقاطع الميديا أو مشاهدات العابرين، هناك عمل ضخم كبير ونجاحات هائلة في الداخل عكست هذه الثقة التي تتمثلها السياسات الخارجية وتمظهراتها، من برامج اقتصادية وطنية، إلى قرارات حاسمة لإيقاف الهدر في المال العام، وإعادة هيكلة القطاعات المالية، واستراتيجيات فتح الأسواق الموازية، ومعالجة ملف التوطين، وإعادة تعريف بما يشبه الانبعاث للسياحة والترفيه والصحة والتعليم والتي حظيت بنسب كبيرة من الموازنة.

قوة الداخل وتحويل «الرؤية» جسداً كبيراً عملاقاً يسَع كل الأجيال الجديدة، التي آمنت به وتتنافس في خدمته، هو ما حوّل السعودية اليوم العلامة الفارقة في منطقة الشرق الأوسط، وموقعها الاستراتيجي وبعقلانية وتوازن كبيرين يجعلانها دوماً لا تدعي الكمال وإنما تسعى للمزيد من النجاحات الجديدة وإدراك حجم التحديات المستمرة في عالم مضطرب ومتحول.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دبلوماسية الرؤية «قمة جدة» وأسئلة التفوق دبلوماسية الرؤية «قمة جدة» وأسئلة التفوق



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab