تبعات الحرب الوحشية والأجيال الساخطة

تبعات الحرب الوحشية والأجيال الساخطة

تبعات الحرب الوحشية والأجيال الساخطة

 العرب اليوم -

تبعات الحرب الوحشية والأجيال الساخطة

بقلم - يوسف الديني

مزيد من تساقط الأبرياء والأطفال والدم المستباح في غزة اليوم يعرض العالم بأسره إلى خطر كبير جداً، على مستوى سلم القيم لدى الأجيال الجديدة، ومنظوره حول الكرامة الإنسانية والقيم المشتركة في حدودها الدنيا.

هناك حالة من العدمية واليأس والشعور بالإحباط تجاه العالم يمكن رصدها بسهولة في النشاط غير المسبوق للأجيال الجديدة على منصات التواصل الاجتماعي في كل العالم، لكن الأخطر اليوم هو هذه العدمية المتنامية حول مسألة الإيمان بالحياة وكرامتها في الداخل الفلسطيني خارج غزة، وفي الدول المتاخمة على الرغم مما يبدو للهمجية الإسرائيلية والدعم الأميركي اللامحدود، الذي أيضاً بات يشكل خطراً كبيراً في حالة الفجوة المتنامية بين الأجيال وموقفها من الإدارة الأميركية.

حالة الفجوة اليوم تتضخَّم بسبب أيضاً حملات القمع الإسرائيلية في الضفة وتدهور الحالة الاقتصادية والوضع الإنساني، وهو ما سيشكل ضغطاً كبيراً على السلطة الفلسطينية التي على الرغم من ضعفها وتراجعها، فإنها تعيش اليوم تهديداً وجودياً مع هذا الضغط الهائل من السكان والأهالي المتضامنين مع غزة، وحالة اللامبالاة من إسرائيل في تقديرها المتعالي والمندفع حول تطور الضفة إلى ساحة معركة رغم حالة الهشاشة التي تزداد مع استمرار القمع وسقوط مزيد من الأبرياء، في الفترة الأخيرة فقط هناك نحو 200 هجوم انطلق من الضفة، على شكل عمليات إطلاق نار وطعن ودهس، وهي تدخل في حيّز ردة الفعل والعدمية، تجاه ما يحدث من قبل أفراد ليس لديهم انتماء حزبي للفصائل المسلحة، لكنهم يشاهدون بشكل غير مسبوق الخسائر البشرية لأهلهم وصور الدمار الهائل والوحشية التي تقول لهم إن حياتهم رخيصة، رغم أنهم قدموا تضحيات هائلة على مستوى محاولة القبول بالوضع القائم والتطلع إلى مستقبل بات اليوم دون أمل، وهذه الحالة من التحشيد النفسي والعاطفي بداية الشرارة التي يمكن أن تغير الأوضاع في المنطقة، والعالم الذي تغيرت فيه كثير من المفاهيم، بسبب هذا الصلف الإسرائيلي الأهوج.

خارج فلسطين هناك حالة تحشيد عاطفي أيضاً لا يمكن السيطرة على تطورها ونتائجها لدى الأجيال الجديدة، من تديين الصراع واستعادة المحتوى والنصوص القيامية ونهايات العالم، وكل المدونة التي تعزز ربما الانخراط، أو على الأقل الاستعداد النفسي لفعل شيء، وهي البيئة التي يدركها المتخصصون بملف التطرف جيداً في سرعة تطورها ونموها وتحول التحشيد إلى قرار لا واعٍ، وهو ما سيشكل عبئاً ليس فقط على دول المنطقة، بل على الدول الغربية والولايات المتحدة، لأن هذا التحشيد يضاف له أيضاً شعور بالمسؤولية الضمنية عن عدم وقف الحرب، إضافة إلى مسألة الاصطفاف على الهوية، وحتى في دول الخليج والاعتدال التي رفعت من مستوى الضبط الاجتماعي، واستثمرت على مدى سنوات في خلق مناعة ضد الجماعات المتطرفة وخطاب الإرهاب، إلا أن مخاطر استمرار هذه الحرب بهذا النمط الوحشي، واستهداف الأطفال والأبرياء والقتل الجمعي، كل ذلك سيعيد المسألة الأمنية ومخاوف عودة التطرف، وإن كان الخطر الأكبر سيكون من الدول التي تعيش حالة الارتباك بسبب تفوق منطق الميليشيا والخيارات الحربية على منطق الدولة التي تعاني، وحتى النزاعات الأخرى من السودان إلى الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا، إلى صعود خطابات النقمة على الأوضاع في كل العالم تقريباً، سيزيد من تعقيد ليس مرحلة ما بعد الحرب أو ما يسمى اليوم التالي، وإنما باليوم الحالي، فكل يوم هو وقود إضافي على حالة العدمية الجمعية التي يعيشها الجيل الجديد، الذي يشكل نسبة كبيرة من السكان في عالمنا العربي والإسلامي، وكل مؤشرات مراكز الاستطلاعات حول صعود نجم الفصائل والميليشيات بين جيل الشباب الفلسطيني في القطاع وباقي المناطق خارج غزة، وتفاقم حالة النقمة بشكل عام، يؤكد أن ثمة خطراً حقيقياً يلوح في الأفق متى ما لم يتخذ قرار إيقاف الحرب فوراً، وهو ما يقودنا إلى فهم الإصرار السعودي منذ اللحظة الأولى على التموضع على خيار إيقاف الحرب قبل أي حديث آخر.

صحيح جداً أن الفردانية اليوم لعبت دوراً كبيراً في تحجيم ردود الأفعال السريعة، وعدم الانخراط في خطابات الآيديولوجيات والأحزاب والتحشيد الجمعوي للتنظيمات، لكن لا توجد ضمانة على انفجار الوضع دون سابق إنذار بسبب استحالة العيش وتضخم منسوب العدمية، خصوصاً مع تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل عام، ومع دخول تحديات أخرى فيما يخص استهداف الممرات الاقتصادية... الوضع في غزة اليوم غير مسبوق أو قابل للقياس على ما سبقه، كما الحال في نمو العدمية لدى الأجيال الجديدة، وعلى المستوى العسكري فإن نظرية النسيج اليوم باعتبار تداخل الفصائل والتنظيمات مع السياق المجتمعي مفارقاً تماماً للتنظيمات الطارئة أو المنعزلة سيطل أمد الصراع، ويجعل من المستحيل أن تحقق إسرائيل أياً من أهدافها أو وعودها لجمهورها، وبالتالي فهو اختبار كبير للدعم الأميركي غير المحدود، وسيفتح الباب أيضاً في ظل هشاشة مقاربة اليوم التالي إلى جولات أخرى من الصراع وربما على مستوى أكبر... العالم اليوم بحاجة إلى وقف العدوان والوحشية لمصلحته، إن لم يكن من أجل أهل غزة وفلسطين.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تبعات الحرب الوحشية والأجيال الساخطة تبعات الحرب الوحشية والأجيال الساخطة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
 العرب اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
 العرب اليوم - يحيى الفخراني يختار التمثيل ويترك مهنة التدريس في كلية الطب

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
 العرب اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 10:46 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:22 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

توتنهام يضم الحارس التشيكي أنطونين كينسكي حتى 2031

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 10:27 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

سبيس إكس تطلق صاروخها فالكون 9 الأول خلال عام 2025

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 14:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الاتحاد الإسباني يعلن رفض تسجيل دانى أولمو وباو فيكتور

GMT 11:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

كيروش يقترب من قيادة تدريب منتخب تونس

GMT 19:51 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 2.7 درجة يضرب الضفة الغربية فى فلسطين

GMT 11:50 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الهلال السعودي يكشف سبب غياب نيمار عن التدريبات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab