خطٌّ أحمر لا جدال في الحج

خطٌّ أحمر: لا جدال في الحج!

خطٌّ أحمر: لا جدال في الحج!

 العرب اليوم -

خطٌّ أحمر لا جدال في الحج

بقلم - يوسف الديني

كان لافتاً التصريح الموفق من قبل رئاسة أمن الدولة في السعودية، في تحذيرها الصارم تجاه أي محاولات لـ«تسييس» الحج، مشددة على أن أمن الحجاج «خطٌّ أحمر» لن يُسمح بتجاوزه، وفق ما جاء في مؤتمر صحافي يوم الجمعة الماضي.

وفي السياق، أكد قائد قوات الطوارئ الخاصة برئاسة أمن الدولة، اللواء ركن محمد العمري: «بخصوص السؤال فيما لو حصل تسييس أثناء فترة الحج: نتعامل مع الحجاج كضيوف رحمن على مستوى واحد. لا فرق بين مواطن ومقيم ووافدين من الخارج، هؤلاء هم ضيوف الرحمن ونحن نحملهم على كفوف الراحة». وقال مشدداً: «لكن متى ما تيقنَّا أو توافرت معلومات عمن يريد الإخلال بالحج، ثق تماماً أن القطاعات في رئاسة أمن الدولة له بالمرصاد». وحسب عبارته فإن «أمن الحج خطٌّ أحمر، لن نرضى الوصول إليه؛ بل قبل الوصول إليه»، في إشارة إلى منع أي شخص من «تسييس» مناسك الحج.

هذا التحذير لا يستهدف دولة بعينها، فالخطاب موجه إلى جميع الحجاج من الداخل والخارج، وهو مستند إلى أصل عظيم من أصول الإسلام في مقاربته لآداب وواجبات هذه الشعيرة، والركن الخامس من أركان الإسلام، والوارد في القرآن الكريم بصريح العبارة: «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج». وقد ورد في التفاسير المبكرة بالمأثور عن عبد الله بن عمر، توضيح لمعنى الجدال الوارد في الآية الكريمة بالخصومات، فالحج والمشاعر أكثر تجسيد للوحدة والتجانس ونبذ التمايز والاختلاف على كل المستويات، من توحيد اللباس، إلى الأداء الجماعي المتجانس، إلى التركيز على الجانب الروحي والنسك، وذوبان الفروقات في وحدة وتوحيد لله تعالى، يعكس أهم خصائص المقاصد الكبرى للحج.

خلال المواسم السابقة، وتحديداً منذ حملات الاستهداف للمملكة في موسم الحج، ووصولاً إلى التحدي الكبير في أزمة «كورونا»، أدرك الجميع أن النجاحات العريضة لإدارة موسم الحج في كل سنة كانت الرد السعودي العملي على كل التخرصات حول ملف تسييس الحج والمواسم الدينية، الذي بات من الملفات الموسمية التي يعاد تدويرها في المسلسل الرخيص لاستهداف المملكة، واللعب على مسألة السيادة والأوزان السياسية الكبرى لدولة لا يمكن استهدافها إلا من خلال التشغيب، ومحاولة الانتقاص من صدارتها في قيادة العالم الإسلامي.

شرف خدمة الحجيج جزء من الهوية الدينية والسياسية لهذه البلاد؛ كان القرار في غاية الذكاء السياسي والاعتدال الديني؛ حيث تم تقديم الآخر على الذات، برفع نسبة الحجيج من غير السعوديين بسبب محدودية الأعداد، ورفع مستوى التنظيم إلى الشكل الذي رآه الجميع على محطات التلفزة، من دون مواربة أو إخفاء في عالم «الميديا» والإشاعات والتصيد. وكان المشهد رغم كل التحديات يبعث على الفخر بهذه المهمة التي وصفها خادم الحرمين الشريفين، في لقاء قديم له مع العلماء في الجامعة الإسلامية، بأنها أهم ما توليه القيادة السعودية الاهتمام، كونه شرفاً ومنحة إلهية أن مكنها الله من خدمة الحجيج.

ما يدركه السعوديون اليوم، قبل غيرهم، أننا نعيش في السعودية الجديدة، مملكة العناية بالتفاصيل الصغيرة لتجاوز التحديات الكبرى، فالأمر لا يقتصر على موسم الحج؛ بل يمتد إلى ملفات شائكة وقضايا بالغة التعقيد، من مكافحة الفساد إلى مشروعات عملاقة إلى تمكين المرأة، وصولاً إلى إعادة تعريف للكسب وحياة الرفاه، والاهتمام بالثقافة والفن، والعودة بمجتمع تغيَّب عن أسلوب حياة عصرية لعقود كانت -حسب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان- استثناء لا يعكس الصورة التي يجب أن تكون عليها السعودية الجديدة التي تهيمن الدماء الشابة على النسبة الأكبر من وقودها في قطار المستقبل السريع الذي لا يحتمل الانتظار.

الاعتدال الفكري والتسامح الديني في الرؤية السعودية الجديدة ليسا خياراً أو مجرد شعارات دعائية أو رسائل للخارج؛ بل مطلب ملح لمنع العوائق ضد مشروعات التنمية الآتية التي تتطلب تحرير الفرد السعودي من قائمة طويلة من الملفات العالقة في التشابك الديني السياسي والاقتصادي في خطابنا المعاصر، التي لا تخرج عن كونها موضع اجتهاد يقابله اجتهاد مثله.

يجب عدم التردد في ضرورة إعادة النظر والتمييز بين «النص» وبين «فهم النص» الذي يمارسه الفقهاء عبر الاستنباط، وهو أداة بشرية قابلة لنسبة الصواب والخطأ. بعبارة أخرى: يجب التفريق بين الدليل والاستدلال، كما في التعبير الأصولي كان واضحاً وجلياً منذ فجر الإسلام؛ حيث رتبت الشريعة الأجر للمخطئ الساعي للوصول إلى الحقيقة الدينية باجتهاده البشري، وكان واضحاً في تناول الفقهاء الكبار الذين تحولت معهم آلية الاجتهاد التي كانت تمارس بشكل شخصي مباشر إلى نظريات مقننة تم انتزاعها من عموميات النصوص الشرعية ودلالات اللسان العربي. والتراث الإسلامي طافح بكثير من الشواهد والأمثلة على التفريق الواضح لدى الفقهاء الأوائل بين رأيهم واجتهادهم الشرعي وبين القرآن والسنة؛ بل نشأت آليات مستقلة لإدارة هذا الخلاف على فهم النصوص، وكانت هذه الآليات -على الأقل على مستوى النظرية- تمثل نموذجاً رائعاً للتعددية المتسامحة في التمثيل الديني، قبل أن تتحول بفعل الجمود والصراعات على النفوذ الرسمي للسلطة الدينية إلى مشكلات عميقة أدت في النهاية إلى توقف عملية الاجتهاد.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطٌّ أحمر لا جدال في الحج خطٌّ أحمر لا جدال في الحج



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab